تتجه العديد من الشركات الكبرى لفرض لوائح أكثر تشدداً لدفع الموظفين إلى العودة للعمل من المكتب، بعد أن حولت جائحة كورونا العمل عن بُعد من تجربة فوضوية غير منظمة إلى وضع عمل منضبط ومقبول ومفضل لغالبية الموظفين، خاصةً في الولايات المتحدة.

واليوم، بعد أكثر من ثلاث سنوات من إجبار الوباء العديد من أصحاب العمل على تطبيق ممارسات العمل عن بُعد، بدأت الشركات تحلل فوائد هذه الممارسات لكلا الطرفين: أرباب العمل والموظفين.

وبدأت العديد من الشركات تحاول إعادة موظفيها للعمل من المكتب، لكنها وجدت مقاومة من قبل الموظفين الذين أصبحوا أكثر اعتياداً على العمل عن بُعد.

وكشفت عدة شركات عالمية عن أنها ستطبق لوائح أكثر صرامة لإعادة العاملين مكاتبهم بعد الخامس من سبتمبر أيلول الموافق لعيد العمال في أميركا.

وفي مقدمة هذه الشركات «أمازون» التي أشار رئيسها التنفيذي، آندي جاسي، إلى أن الموظفين لديهم الحرية في الاختلاف مع سياسة الشركة التي تطالبهم بالتواجد في المكتب ثلاثة أيام على الأقل في الأسبوع، لكنه حذَّر صراحةً من أن عدم التزامهم بذلك سيهدد مستقبلهم في الشركة.

وأكدت «ميتا» أنه بحلول 5 سبتمبر أيلول، سيكون على الموظفين الحضور للمكتب ثلاثة أيام في الأسبوع، وسيقوم المديرون بمراقبة ذلك بكل جدية، وفقاً لما أورده موقع «بيزنيس إنسايدر».

وبالمثل، أخطرت عملاقة الصناعات الدوائية «ميرك» الموظفين بأنه اعتباراً من 5 سبتمبر أيلول، سيُطلب من أصحاب الوظائف المكتبية الحضور لمقر العمل بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع – منها يومان ثابتان.

وقد تكون مهمة الشركات أسهل في الفترة المقبلة مع زيادة قبول الموظفين نسبياً للعودة للمكاتب، إذ أظهر استطلاع أجرته شركة «غود هاير» لخدمات التوظيف ارتفاع نسبة الأشخاص الراغبين في العودة للعمل من المكتب في 2022 مقارنة بعام 2021.

شعور الموظفين نحو العودة للمكاتب

أجرت شركة «غود هاير» استطلاعاً لنظرة الأميركيين حيال نظام العمل عن بُعد في ظل المشهد الحالي بعد تراجع تفشي فيروس كورونا وعدم استقرار الوضع الاقتصادي العالمي، وشمل الاستطلاع 3500 شخص.

وعكست النتائج زيادة قبول الأميركيين للعودة للمكتب، لكن عدداً كبيراً من المشاركين أبدوا استعدادهم لقبول تخفيض أجورهم مقابل مواصلة العمل عن بُعد.

ورأى عدد كبير من المشاركين أن العاملين عن بُعد يكونون أكثر عرضة لفقدان وظائفهم مقارنة بالموظفين المنتظمين من المكتب، كما رأى الكثيرون أنه يجب دفع أجور أعلى للعاملين من المكتب مقارنةً بالعاملين عن بُعد.

هل أصبح العمل عن بُعد خياراً غير مفضل؟

قبل الجائحة، لم يكن الأميركيون معتادين عن العمل عن بُعد، لكن الجائحة سرعان ما فرضت تحولاً هائلاً في المشهد العالمي لسير العمل.

وفي عام 2021، قال 68 في المئة من الأميركيين -بعد عام من العمل عن بُعد- إنهم يفضلون العمل من المنزل عن الذهاب للمكتب، لكن نتائج عام 2022 جاءت أفضل كثيراً إذ عكست بدء ضجر الموظفين من العمل عبر المنصات الافتراضية مثل «زووم».

وأشارت نتائج 2022 إلى أن 44 في المئة فقط من المشاركين يفضلون العمل من المنزل، وهو انخفاض بنسبة 24 في المئة عن عام 2021، وقال 37 في المئة إنهم يفضلون العودة إلى المكتب، في حين أبدى 19 في المئة نظرة متعادلة.

العمل عن بُعد بين المكاسب والعيوب

أظهرت تقارير متابعة حضور الموظفين بإحدى الشركات الأميركية أن أكثر أيام الأسبوع ازدحاماً بالموظفين في المكتب هو يوم الثلاثاء، إذ بلغ معدل الإشغال ما يقرب من 56 في المئة، بينما كان يوم الجمعة الأقل إقبالاً في الحضور، بنسبة إشغال في المكتب 31 في المئة.

أيضاً وجدت شركة تحليل بيانات تضمنت عينة صغيرة من 26 مكتباً أميركياً عبر سبع شركات متعددة الجنسيات، أنه في النصف الأول من العام الجاري، تواجد 55 في المئة فقط من الموظفين في المكاتب في المتوسط لأكثر من 6 ساعات، وهو أقل بكثير من المستوى المسجل قبل الجائحة البالغ 84 في المئة.

وهددت بعض الشركات بتخفيض رواتب أولئك الذين رفضوا العودة إلى مكاتبهم، وفي عام 2021 قال 61 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إنهم سيقبلون تخفيضاً في رواتبهم للحفاظ على حالة العمل عن بُعد، لكن هذا المعدل انخفض قليلاً في عام 2022، إذ قال 45 في المئة فقط إنهم سيقبلون تخفيضاً في أجورهم مقابل العمل عن بُعد.

العمل عن بُعد يمنح الموظفين الفرصة للموازنة بين العمل والحياة، فقد وجد الموظفون أنفسهم قادرين على قضاء المزيد من الوقت مع العائلة والأصدقاء، فضلاً عن توفير الوقت والتكلفة المستهلكة في المواصلات.

لكن مع مرور الوقت شعر بعض الموظفين بالضجر والتهميش أو الإهمال بسبب نقص التواصل مع الإدارة العليا وباقي فريق العمل، واكتشف الموظفون وأرباب العمل أن أن نظام العمل المختلط هو الأفضل لكلا الطرفين.

وبالفعل، بدأ العديد من الشركات في تقسيم أيام الأسبوع بين العمل من المنزل والذهاب إلى المكتب من يومين لثلاثة أيام أسبوعياً على الأقل.

تظل فكرة العمل عن بُعد قيد الدراسة والمراقبة حتى بعد ممارستها لثلاثة أعوام متتالية، فعلى الرغم من نجاح الفكرة وتطورها مع مرور الوقت فإ نها تظل قيد الاختبار لعدة شركات حول العالم.