مع ترقب نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر، لا تزال البيروقراطية تؤثر سلباً على الاستثمار في مصر، وأصبحت عدوى ما اصطُلح على تسميته (مدام عفاف)، وهي عبارة يستخدمها المصريون ساخرين من الروتين الذي تعج به أروقة المصالح الحكومية، شبحاً يهدد الاستثمار الخاص، ذلك الاستثمار الذي تعول عليه البلاد لنمو القطاع الخاص والاقتصاد بشكل عام.
من وعود منظومة الشباك الواحد التي لم تؤتِ ثماراً خلال السنوات الماضية، وقانون استثمار لم يحرك ساكناً، يعاني المستثمرون المحليون من ضغوط كثيرة تعكر مناخ الأعمال.
ووفقاً لإحصائيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فإن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، يشهد تفاوتاً ملحوظاً خلال الفترة بين عامي 2014 و2022.
لكن المؤكد وفقاً لهذه الإحصائيات، أن حجم الاستثمار على الرغم من تفاوت نسبه، فإنه لم ينخفض مثل الفترة التي شهدها إبان الأزمة المالية العالمية، أو في أعقاب ثورة 25 يناير كانون الثاني 2011.
وتقول الأرقام الخاصة بالأونكتاد، إن الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، ظل ثابتاً على وتيرة واحدة خلال الفترة من 1990 إلى 2004، إذ بلغت حينذاك نحو 2.1 مليار دولار، وواصلت نموها حتى 2007، إذ بلغت نحو 11.5 مليار دولار، وهي الحصيلة الأعلى على الإطلاق التي لم تستطع مصر كسر رقمها القياسي حتى الآن.
كما أظهرت تأثر حجم الاستثمارات، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، ما انعكس على مصر أيضاً خلال عامي 2009 و2010، ليبلغ متوسط الاستثمارات أكثر من ستة مليارات دولار.
بدأت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر تعافيها منذ عام 2012، لكنها لم تحقق الزيادة الكبيرة التي تدعم بها الاقتصاد المصري.
ومع تداعيات جائحة كوفيد-19، واصلت الاستثمارات نسبها المتفاوتة ليبلغ متوسطها نحو خمسة مليارات دولار سنوياً في الفترة بين عامي 2020 و2021.
تأتي هذه الأرقام متضاربة مع ما أورده الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، نقلاً عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يونيو حزيران الماضي، إذ أوضح أن العام المالي 2022/2021 شهد 8.9 مليار دولار، لتسجل أكبر زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر بزيادة تبلغ نسبتها 71.4 في المئة.
وعلى الرغم من هذه الأرقام التي تعكس نمو الاستثمارات، فإنها ما زالت ضعيفة بالنسبة إلى دولة تمتاز بالبنية التحتية التي يمكنها جذب المزيد من الاستثمارات.
فماذا يعوق الاستثمارات في مصر؟
تتعدد الأسباب التي تسهم في بطء وتيرة الاستثمارات في مصر، سواء مناخ الاستثمار في مصر، أو المشكلات المتعلقة بغياب نموذج محدد للاستثمار الأجنبي المباشر، أو انعكاس رفع أسعار الفائدة في أميركا على السوق المصرية، لكن المؤكد أن مصر لا تعاني من التضخم، وتدهور العملة المحلية، والبطالة، والديون الخارجية فحسب، بل جاءت الاستثمارات محركاً جديداً يعمق جراح الاقتصاد المصري.
من جهته قال الرئيس التنفيذي لشركة وايز فاينانشيال، مؤنس أمين، في حديثه مع «CNN الاقتصادية»، إن «المشكلات التي تعوق قدرة الاقتصاد المصري على جذب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر تنتمي إلى نوعين أساسيين، الأولى تتعلق بمناخ الاستثمار في مصر؛ ومن أهمها ضعف المؤشرات الكلية لأداء الاقتصاد المصري والمتمثلة في انخفاض معدل النمو الاقتصادي، وارتفاع حجم الدين الخارجي، وعدم استقرار سعر الصرف ووجود سوق موازية، فضلاً عن ضعف البنية الأساسية المصرية وانخفاض کفاءة مؤسسات الأعمال الوطنية وانخفاض جودة المنتجات المصرية بوجه عام، وضعف کفاءة عنصر العمل المصري».
الناتج المحلي الإجمالي لمصر منذ 2014
وعن النوع الثاني من المشكلات، قال أمين «إنها مشكلات تتعلق بغياب نموذج محدد للاستثمار الأجنبي المباشر الذي يجب أن تسعى إليه استراتيجية جذب تدفقات الاستثمارات الأجنبية، فغياب هذا النموذج أدى عملياً إلى ضعف حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت على الاقتصاد المصري خلال العقود الأربعة المنقضية، إضافة إلى تعزيز الاختلال القطاعي الذي يعاني منه هيکل الاقتصاد المصري، إذ تركزت تلك الاستثمارات بالأساس في قطاع الصناعات الاستخراجية، وتلاها قطاع الخدمات بينما لم تتوجه سوى نسبة ضئيلة إلى قطاعَي الزراعة والصناعة التحويلية».
بدورها قالت نائب رئيس بنك مصر السابق، سهر الدماطي، في حديثها مع «CNN الاقتصادية» إن « صندوق النقد الدولي عندما وافق على قرض لمصر بنحو ثلاثة مليارات دولار في ديسمبر كانون الأول 2022، أوضح أنه سيضمن هذا القرض، توفير مليار دولار من أذرع مختلفة، فضلاً عن تغطية الفجوة التمويلية من يناير كانون الثاني 2023 إلى يونيو حزيران من العام ذاته، بنحو 14 مليار دولار، إلا أن هذه الوعود لم تُنفذ، ما ترك تأثيراً سلبياً على الجنيه المصري، إلى جانب ما واجهه في السوق السوداء».
وأضافت «على مدى السنين الماضية، كان لدينا نوعان من الاستثمارات، الأول منهما المباشر الذي مثّل ثمانية مليارات سنوياً من استثمارات خليجية وصينية وهندية وعدد آخر من الدول، وثانياً كان الاستثمار غير المباشر المعني باستثمار الصناديق في الأسواق الناشئة وكان يوفر من 30 إلى 31 مليار دولار، أما عقب زيادة الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في معركته ضد التضخم، فاتجهت هذه الصناديق إلى الولايات المتحدة للاستثمار هناك، حيث معدل الفائدة الأعلى».
وحول الاستثمارات خلال الفترة السابقة، أوضحت أن الصناديق السيادية الإماراتية والسعودية هي من شكلت الاستثمارات، وهناك عدة أمثلة منها دخولها في البنك التجاري الدولي بنسبة 18 في المئة، إضافة إلى متاجر (سعودي)، وعدد من الشركات المطروحة، ومن المتوقع أن يتباين المستثمرون خلال الفترة المقبلة، ولن يكونوا من الخليج فقط، علماً بأن الفنادق المصرية شهدت استثمار طلعت مصطفى الذي دفع جزءاً بالعملة المحلية، وآخر بالدولار.
هل يمكن حل أزمة الاستثمار؟
يقول أمين «إن الاستثمار الأجنبي يمثل حاجة ملحة لتنمية الاقتصاد المصري، ولذلك تسعى الدول النامية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تضطلع بعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، على أن يرتبط حجم الاستثمار الأجنبي بما توفره الدولة المضيفة له من ضمانات ومزايا ضريبية وقانونية تضمن حمايته من المخاطر والمعوقات التي يمكن أن يتعرض لها، كما تكفل له الحصول على أكبر عائد استثماري ممكن».
وأضاف قائلاً «هنا يأتي دور الدولة في ضرورة تطوير الضمانات الملزمة لحماية المستثمرين من المخاطر غير التجارية وتشجعيهم، والعمل على التشريعات الخاصة بالمشروعات القائمة مع مراجعة جميع القوانين المتعلقة بالنشاط الاقتصادي والإنتاجي بمصر، والتأكيد على إيجاد آليات تحويل الأرباح والعائدات السنوية للشركات والمؤسسات الأجنبية، مع ضرورة تبسيط إجراءات التصفية والإفلاس والتخارج والإسراع في تطبيق وتطوير خطة الدولة لتحقيق التطوير التكنولوجي في التعليم والتدريب الأكاديمي والمهني، والاستفادة من تجارب بعض الدول الأخرى التي تميزت في هذا المجال وإشراك القطاع الخاص المصري في كل القرارات الاقتصادية المؤثرة في المناخ العام للاستثمار، إذ إنه شريك أساسي في المنظومة الاقتصادية، مع إيجاد قنوات اتصال دورية بين المجلس الأعلى للاستثمار ومراكز التحكيم والجهات الخدمية المختصة بالاستثمار»
ومن جهتها قالت الدماطي، إن مصر عملت على بعض الطروح التي وصلت إلى 32 مليار دولار، وشهدت مشاركة شركتين من شركات الجيش، وشركات القطاع العام، وآخرها شركة الشرقية للدخان التي دخلت بأعلى من 600 مليون دولار.
وأضافت أنه «فور أن يبدأ المستثمرون أعمالهم، فإنه سيتوفر لدى الدولة سيولة نقدية بالعملة الأجنبية، فضلاً عن انضمام مصر إلى مجموعة بريكس، وانضمامها إلى بنك التنمية التابع لها، ما يضمن إمكانية طلبها القروض».
أما عن موقف صندوق النقد المتوقع خلال الفترة المقبلة فأوضحت الدماطي أن هناك توقعات تشير إلى أنه سيزيد المليارات الثلاثة إلى عشرة مليارات دولار، لتُسدد على مدار أربعة أو خمسة أعوام، طبقاً لجدول السداد، علماً بأن مصر يتوقع أن تسدد نحو خمسة مليارات دولار في 2024.