سلَّط صندوق النقد الدولي، يوم الاثنين، الضوء على عدد من التحديات التي تواجه الاقتصاد الألماني، مشيراً إلى الاحتياج لحل عاجل حتى لا تزيد معاناة الاقتصاد الأكبر في أوروبا.

وقال صندوق النقد في تغريدة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي إكس (تويتر سابقاً) «الاقتصاد الألماني يعاني من شيخوخة السكان ونقص الاستثمارات العامة والبيروقراطية المفرطة».

.

لماذا التشاؤم بشأن الاقتصاد الألماني؟

ويرى صندوق النقد أن ألمانيا تواجه بعض التحديات الاقتصادية الخطيرة التي لا تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام من صناع القرار، داعياً إلى تبني إصلاحات طموحة لحل هذه التحديات.

وأضاف صندوق النقد «ألمانيا تعاني، لقد كان الاقتصاد الوحيد في مجموعة السبع الذي تقلص في العام الماضي، ومن المقرر أن يكون الاقتصاد الأبطأ نمواً في المجموعة مرة أخرى في عام 2024، وفقاً لآخر توقعاتنا».

بعض الاقتصاديين يقولون إن النموذج الاقتصادي الألماني معطل بشكل لا يمكن إصلاحه، ويجادلون بأن النمو القوي في العقود السابقة كان يعتمد على استيراد الغاز الروسي الرخيص الذي بدوره دعم صناعات التصدير الألمانية ذات القدرة التنافسية العالية.

ويشير هؤلاء الاقتصاديون إلى أنه مع عدم توفر هذا الغاز الرخيص حالياً، فإن نموذج التصنيع الألماني لم يعد يعمل.

رؤية الصندوق لمستقبل الاقتصاد الألماني

من جانبه، يؤكد صندوق النقد الدولي أن قطع إمدادات الغاز الروسي في عام 2022 أسهم في ارتفاع معدلات التضخم وزيادة تكاليف المعيشة، لكنه يقول «مع ذلك فقد ثبت أن ارتفاع أسعار الغاز كان مؤقتاً، وبعد ارتفاعها في عام 2022 انخفضت أسعار الغاز الآن إلى مستويات عام 2018».

رغم التحديات يرى صندوق النقد أن «المقاييس الأوسع نطاقاً لقدرة ألمانيا التنافسية على المستوى الدولي ترسم صورة مماثلة للتعافي الكبير، فقد عاد ميزان التجارة الألماني -مؤشر أسعار الصادرات نسبة إلى أسعار الواردات- إلى المستوى نفسه الذي كانت عليه قبل أزمة الطاقة».

وأضاف صندوق النقد «بلغ الفائض التجاري الألماني 4.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، وإن كان أقل من الفوائض المرتفعة بشكل مفرط في سنوات ما قبل الجائحة، لكنه أعلى من متوسط العقدين الماضيين، ومن المرجح أن يرتفع أكثر هذا العام».

مخاوف التصنيع في ألمانيا

تابع صندوق النقد «على نحو مماثل هناك مبالغة في المخاوف بشأن تراجع التصنيع على نطاق واسع، وفي حين تقلصت الصناعات الكيميائية والمعادن والورق، كثيفة الاستهلاك للطاقة، فإنها لا تمثل سوى 4 في المئة من الاقتصاد».

وأشار صندوق النقد إلى أنه «على النقيض من ذلك ارتفع إنتاج السيارات بنسبة 11 في المئة العام الماضي، ويتبنى صانعو السيارات الكهربائية في ألمانيا التحول الأخضر، وفي عام 2023 زادت صادرات ألمانيا من السيارات الكهربائية بنسبة 60 في المئة».

وأوضح صندوق النقد أن البيانات المتوفرة تظهر أن شركتين ألمانيتين مصنعتين -فولكس فاغن وبي إم دبليو- تمثلان أكثر من 10 في المئة من مبيعات السيارات الكهربائية العالمية.

وقال صندوق النقد إن المصنعين الألمان تكيفوا مع أزمة الطاقة وتعطل سلسلة التوريد من خلال التحول إلى منتجات ذات قيمة مضافة أعلى واستخدام عدد أقل من المدخلات الوسيطة.

من جانبه، أوضح الخبير لدى جي بي مورغان، جريج فوزيسي، أن هذا يعني أن القيمة المضافة الصناعية ظلت ثابتة حتى مع انخفاض الإنتاج الصناعي، وبعبارة أخرى أصبح الإنتاج الصناعي مقياساً أقل فائدة لأداء الاقتصاد ككل.

الرياح المعاكسة للاقتصاد الألماني

وكشف صندوق النقد أن النبأ السيئ للاقتصاد الألماني هو أن الرياح المعاكسة البنيوية الأكثر جوهرية مثل تباطؤ نمو الإنتاجية من المرجح أن تظل قائمة في غياب الإصلاحات، كذلك فالأزمات الأخرى مثل شيخوخة السكان سوف تتسارع بشكل حاد.

وقال صندوق النقد إن عدد السكان في سن العمل في ألمانيا قد ارتفع على مدى العقد الماضي بسبب المهاجرين الفارين من الصراعات الإقليمية، ومع انتهاء موجة المهاجرين هذه وتقاعد جيل طفرة المواليد على مدى السنوات الخمس المقبلة فإن معدل نمو القوة العاملة في ألمانيا سوف ينخفض بنسبة أكبر من أي دولة أخرى في مجموعة السبع.

وأضاف صندوق النقد هذا من شأنه أن يفرض ضغوطاً هبوطية على الناتج المحلي الإجمالي للشخص الواحد؛ لأنه سيكون هناك عدد أقل من العمال لكل متقاعد، كما سيؤدي ذلك إلى مزيج من ارتفاع مساهمات الضمان الاجتماعي وانخفاض معاشات التقاعد في ظل غياب الإصلاحات.

وتابع صندوق النقد سوف يؤدي ارتفاع عدد كبار السن إلى زيادة الطلب على خدمات الرعاية الصحية؛ ما يجذب العمال بعيداً عن الصناعات الأخرى، كما أن نقص العمالة يمكن أن يعوق الاستثمار.

ومن الممكن أن تشكل زيادة الهجرة قوة لمواجهة هذه العوامل، ومع ذلك، فإن آفاق ذلك غير مؤكدة.

انخفاض الاستثمارات العامة يضر الاقتصاد الألماني

وانخفضت الاستثمارات العامة في ألمانيا في تسعينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين لم تَعُد كافية لتعويض انخفاض قيمة العملة، وهذا يضع ألمانيا بالقرب من قاع الاقتصادات المتقدمة في الاستثمار العام، فالأموال المخصصة للاستثمار في الميزانية لا يتم إنفاقها بشكل روتيني، ويرجع ذلك في كثير من الأحيان إلى نقص الموظفين في البلديات.

وأوضح صندوق النقد أنه من الممكن أن تعمل ألمانيا على زيادة تمويل الاستثمار العام من خلال إصلاح النفقات الأخرى أو تعبئة المزيد من الإيرادات أو تعديل حدود كبح الديون على الاقتراض الفيدرالي.

ودعا صندوق النقد إلى تخفيف كبح الديون بنحو 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع السماح للدين العام بالانخفاض كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال صندوق النقد إن رقمنة الخدمات الحكومية أيضاً يمكنها تسريع الحل، مشيراً إلى أن ألمانيا تتخلف عن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى في تقديم الخدمات عبر الإنترنت للشركات، بما في ذلك التسجيل وتقديم الضرائب.