نما الاقتصاد الصيني بشكل أقوى من المتوقع في بداية هذا العام، ويرجع ذلك في الأساس إلى النمو القوي في تصنيع التكنولوجيا المتقدمة.

إذ نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.3 في المئة في الربع الأول مقارنة بالعام الماضي، وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء يوم الثلاثاء، ويتجاوز ذلك تقديرات النمو البالغة 4.6 في المئة في استطلاع أجرته رويترز لآراء الاقتصاديين، كما يمثل تسارعاً من النمو بنسبة 5.2 في المئة في الأشهر الثلاثة السابقة.

وعلى أساس ربع سنوي، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.6 في المئة في الربع الأول، وهو ما يتجاوز توقعات النمو البالغة 1.4 في المئة.

وقال شنغ لايون المتحدث باسم المكتب الوطني للإحصاء، في مؤتمر صحفي في بكين مصاحب لإصدار البيانات، «بدأ الاقتصاد الصيني بداية جيدة في الربع الأول.. ما أرسى أساساً جيداً لتحقيق الأهداف للعام بأكمله»، لكنه أقر بأن «أساس الاستقرار والتحسن الاقتصادي ليس متيناً بعد».

وقفز الإنتاج الصناعي بنسبة 6.1 في المئة في الربع الأول مقارنة بالعام الماضي، ويرجع ذلك أساساً إلى النمو القوي في قطاع الصناعات التحويلية ذات التقنية العالية.

وعلى وجه الخصوص، ارتفع إنتاج معدات الطباعة ثلاثية الأبعاد ومحطات شحن السيارات الكهربائية والمكونات الإلكترونية بنحو 40 في المئة مقارنة بالعام السابق.

وفي الشهر الماضي، أظهر مسح رسمي أن مؤشر مديري المشتريات الصناعي في الصين توسع للمرة الأولى منذ ستة أشهر، كما سجل مؤشر مديري المشتريات التصنيعي (Caixin/S&P)، وهو استطلاع أجراه القطاع الخاص، أقوى قراءة له منذ أكثر من عام، مع ارتفاع الطلب الخارجي.

وحددت الصين هدف نمو سنوي يبلغ نحو 5 في المئة لعام 2024، وهو ما اعتبره العديد من المحللين طموحاً، حيث لا تزال ثقة المستهلكين والشركات ضعيفة، وقطاع العقارات غارق في ركود طويل الأمد.

وخفضت السلطات أسعار الفائدة هذا العام لتعزيز الإقراض المصرفي وتسريع إنفاق الحكومة المركزية لدعم الاستثمار في البنية التحتية.

وأظهرت بيانات يوم الثلاثاء أن مبيعات التجزئة نمت بنسبة 4.7 في المئة في الفترة من يناير كانون الثاني إلى مارس آذار، مدعومة بالإنفاق على الأنشطة الرياضية والترفيهية والسجائر والكحول، بالإضافة إلى خدمات تقديم الطعام.

وزاد الاستثمار في الأصول الثابتة -مثل المصانع والطرق وشبكات الكهرباء- بنسبة 4.5 في المئة خلال الفترة نفسها.

لكن هذا النمو كان مدعوماً بشكل رئيسي من قبل الشركات المملوكة للدولة، التي استثمرت زيادة بنسبة 7.8 في المئة في الربع الأول مقارنة بالعام الماضي، وارتفعت استثمارات القطاع الخاص بنسبة 0.5 في المئة فقط.

وانخفضت استثمارات الشركات الأجنبية بنسبة 10.4 في المئة في الربع الأول.

وجعلت بكين إنعاش النمو الاقتصادي أولويتها القصوى هذا العام، وجددت جهودها لجذب المستثمرين الأجانب.

بيانات شهر مارس الضعيفة

بدأ الاقتصاد بداية قوية هذا العام، لكن بيانات شهر مارس آذار بشأن الصادرات وتضخم المستهلكين وأسعار المنتجين والإقراض المصرفي أظهرت أن الزخم قد يتعثر مرة أخرى، وعززت الدعوات لمزيد من التحفيز لدعم النمو.

والواقع أن البيانات المنفصلة عن إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة، التي صدرت جنباً إلى جنب مع تقرير الناتج المحلي الإجمالي، سلطت الضوء على الضعف المستمر في الطلب المحلي.

إذ نما الإنتاج الصناعي في مارس آذار بنسبة 4.5 في المئة مقارنة بالعام السابق، مقارنة بزيادة متوقعة بنسبة 6.0 في المئة ومكاسب بنسبة 7.0 في المئة للفترة من يناير كانون الثاني إلى فبراير شباط.

وارتفع نمو مبيعات التجزئة، وهو مقياس للاستهلاك، بنسبة 3.1 في المئة على أساس سنوي في مارس آذار، مقابل زيادة متوقعة بنسبة 4.6 في المئة، وتباطأ من زيادة بنسبة 5.5 في المئة في الفترة من يناير كانون الثاني إلى فبراير شباط.

التحديات

شكلت الأزمة في قطاع العقارات عائقاً كبيراً أمام الاقتصاد الصيني، حيث امتدت إلى ثقة رجال الأعمال والمستهلكين وخطط الاستثمار وقرارات التوظيف وأسعار الأسهم.

وسلطت بيانات شهر مارس آذار الضوء على عمق المشكلات التي يعاني منها القطاع، حيث لا تزال ثقة المستثمرين والطلب عند مستوى منخفض.

انخفضت أسعار المنازل الجديدة في الصين بأسرع وتيرة لها منذ أكثر من ثماني سنوات الشهر الماضي، حيث أضرت مشكلات الديون بين مطوري العقارات بالطلب.

وانخفض الاستثمار العقاري بنسبة 16.8 في المئة على أساس سنوي في مارس آذار، وهو أسوأ من انخفاض بنسبة 9.0 في المئة في الفترة من يناير كانون الثاني إلى فبراير شباط، بينما تراجعت المبيعات بنسبة 23.7 في المئة، مقارنة بانخفاض 20.5 في المئة في الشهرين الأولين من العام.

ومع عدم إظهار بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من الاقتصادات المتقدمة أي إلحاح للبدء في خفض أسعار الفائدة، فقد تواجه الصين أيضاً فترة أطول من نمو الصادرات دون المستوى، في ضربة أخرى لآمال صناع السياسات في هندسة انتعاش اقتصادي قوي.

وما يزيد من التحدي الذي تواجهه الصين، أنه يتعين على السلطات أيضاً أن تتعامل مع التوترات المستمرة مع الولايات المتحدة بشأن التجارة والتكنولوجيا والجغرافيا السياسية.

ويتطلع المستثمرون إلى اجتماع المكتب السياسي المتوقع في أبريل نيسان للحصول على أدلة حول اتجاه السياسة، على الرغم من أن القليل من المحللين يتوقعون أي تحفيز كبير.

وقد تعهد بنك الشعب الصيني بزيادة دعم السياسات للاقتصاد هذا العام، حيث تراهن الأسواق على مزيد من التخفيضات في نسبة متطلبات الاحتياطي لدى البنوك وأسعار الفائدة.

ويعتقد بعض المحللين أن البنك المركزي يواجه تحدياً، حيث يتدفق المزيد من الائتمان إلى الإنتاج بدلاً من الاستهلاك، ما يكشف عن عيوب هيكلية في الاقتصاد ويقلل من فعالية أدوات سياسته النقدية.

وفي الشهر الماضي، التقى الزعيم الصيني شي جين بينغ أكثر من عشرة من الرؤساء التنفيذيين والأكاديميين الأميركيين في بكين، ودعاهم إلى «مواصلة الاستثمار في الصين»، وأعرب عن ثقته في أن البلاد ستحافظ على نمو صحي ومستدام في الأشهر المقبلة.

نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2 في المئة في عام 2023، وفي حين أن هذا التوسع يمثل انتعاشاً كبيراً مقارنة بعام 2022، عندما نما الاقتصاد الصيني بنسبة 3 في المئة فقط وسط عمليات الإغلاق والتعطيل المكثفة بسبب جائحة كورونا، فإنه لا يزال أحد أسوأ أداء اقتصادي للبلاد منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين في الأشهر الأخيرة، حيث أدى مزيج من تباطؤ النمو والحملات التنظيمية وتشريعات الأمن القومي المرهقة والتساؤلات حول آفاق البلاد على المدى الطويل إلى زعزعة الثقة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.