يقر صندوق النقد الدولي بحجم التحديات التي تواجهه في عالم اليوم سريع التغير، وأن النظام المالي العالمي الذي يعد الصندوق جزءاً رئيسياً به يحتاج إلى التعديل، ولم يعد أمام المؤسسة الدولية التي خرجت للنور من اتفاقية بريتون وودز سوى خيارين الإصلاح أو التلاشي.
وأورد حساب الصندوق على موقع التواصل الاجتماعي إكس -تويتر سابقاً- جزءاً من مقال كتبه الأستاذ البارز بكلية بوث للأعمال بأميركا راغورام راجان جاء فيه «بعد مرور 80 عاماً على بريتون وودز، يتعين على العالم أن يقرر ما إذا كان سيصلح صندوق النقد الدولي ليتمكن من التعامل بشكل أفضل مع الأعضاء ومعالجة تحدياتهم، أو يفشل في التصرف ويترك الصندوق يتلاشى».
لماذا يحتاج العالم إلى صندوق النقد الدولي؟
راجان تحدث عن ماذا يخبئ المستقبل لصندوق النقد، واستهل مقاله بقوله، «لو لم يكن صندوق النقد الدولي موجوداً لاضطررنا إلى اختراعه، فبعد كارثتين تحدثان مرة واحدة كل قرن في تتابع سريع -الجائحة والأزمة المالية العالمية- اقترضت البلدان مبالغ ضخمة لمساعدة شعوبها ومؤسساتها على البقاء».
وأضاف الأستاذ البارز في كلية بوث للأعمال «يهددنا المزيد من الاضطرابات مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب وظهور مسببات الأمراض الجديدة، وفي الوقت نفسه تعوق الحواجز المتزايدة أمام التجارة والاستثمار الآليات المعتادة لسد فجوات الفرص بين البلدان الصناعية المتقدمة التي تشهد شيخوخة السكان والاقتصادات النامية الشابة».
وأوضح راجان «لمواجهة هذه التحديات بشكل أفضل، نحتاج إلى صندوق نقد دولي يوجه البلدان نحو سياسات تدعم التبادل الدولي العادل للسلع والخدمات ورأس المال، ويكمل منظمة التجارة العالمية من خلال التأكيد على الضرر الناجم عن عدم القيام بذلك».
وقال راجان «ينبغي للصندوق أيضاً أن يقدم صوتاً مستقلاً بشأن السياسات الوطنية، وأن يعمل كمقرض الملاذ الأخير للبلدان التي تفقد ثقة الأسواق».
نشأة صندوق النقد
واستدرك أستاذ الاقتصاد «لكن من المؤسف أن صندوق النقد الدولي رغم وجوده لا يسمح له بالاضطلاع بهذه الوظائف».
وتابع راجان «تأسس الصندوق عندما كانت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة، ولم تعترض بلدان أخرى على سلطة أميركا في الاعتراض على القرارات الرئيسية أو سيطرتها إلى جانب حلفائها كندا وأوروبا الغربية على التعيينات الإدارية والقرارات التشغيلية، وظل هذا التحالف الغربي بلا منازع إلى حد كبير حتى وقت قريب».
وضع صندوق النقد الحالي
قال راجان «تمثل حصص الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي حقوق التصويت ومقدار مدفوعات اشتراك رأس المال التي تدفعها للصندوق، كما أن الحد الأقصى الذي يمكن لأي دولة أن تقترضه في ظل ظروف مختلفة من صندوق النقد الدولي يتناسب أيضاً مع حصتها».
وأضاف «الحصة التي تبلغ 6.47 في المئة لليابان تتجاوز حصة الصين التي تبلغ 6.4 في المئة على الرغم من أن اقتصاد الصين أصبح الآن أكبر بأربع مرات من اليابان، وعلى نحو مماثل تقل حصة الهند عن حصة المملكة المتحدة وفرنسا على الرغم من تفوق اقتصادها على كليهما حجماً».
وأوضح راجان «من الصعب أن نرى الأساس المنطقي لمثل هذا التمثيل الناقص اليوم، بخلاف رغبة التحالف الغربي في التمسك بالسلطة».
وأشار أستاذ الاقتصاد «من المؤسف أن مخاوف الولايات المتحدة من التفوق عليها اقتصادياً تعني أن السياسة الداخلية تحركت نحو مزيد من الانعزالية»، معقباً «انتقلت الولايات المتحدة بثبات من كونها الحكم، مدفوعة عموماً بفكرة أن الانفتاح يفيد الجميع، إلى أن تصبح لاعباً».
التحالف الغربي يهيمن على الصندوق
وتابع راجان «تريد أميركا الانفتاح بشروطها الخاصة، ومع ذلك لا تزال تريد أن تكون حكماً في منظمات مثل صندوق النقد الدولي».
وقال راجان إن «التحالف الغربي نفسه يتآكل، فقد كانت لإدارة دونالد ترامب خلافات تجارية خطيرة مع كندا وأوروبا الغربية، وليس من غير المتصور أنه مع تغير التركيبة السياسية للحكومات سيكون هناك إجماع أقل وأقل في التحالف بشأن الاتجاه الاقتصادي، وقد يؤدي هذا إلى اتخاذ قرارات غير متوقعة إذا كان التحالف لا يزال يسيطر على صندوق النقد الدولي».
وأوضح أستاذ الاقتصاد أنه «كان من غير الممكن الاعتماد على التحالف الغربي في مواصلة توفير الحكم الرشيد، فإن الحجة لصالح إعادة توزيع حصص صندوق النقد الدولي على أساس الحجم النسبي للاقتصادات تصبح أكثر أهمية».
وأكد راجان «لا بد أن يصاحب التغيير في حوكمة صندوق النقد الدولي إصلاح في نظام الحصص، فلا ينبغي للمجلس التنفيذي أن يصوت على كل قرار تشغيلي بما في ذلك كل برنامج إقراض، بل لا بد أن تتخذ الإدارة المهنية المستقلة القرارات التشغيلية لصالح الاقتصاد العالمي».
عوائق إصلاح صندوق النقد
وقال راجان إن «العوائق السياسية التي تحول دون إصلاح صندوق النقد الدولي جذرياً كبيرة، بمن في ذلك الأعضاء المهيمنون غير الراغبين في التنازل عن السلطة».
وأشار أستاذ الاقتصاد «إذا تحولت الحصص لتعكس القوة الاقتصادية دون أي تغيير آخر في الحكم فقد تحظى الصين في نهاية المطاف بأكبر حصة، وعندئذ بموجب بنود اتفاقية صندوق النقد الدولي سوف يضطر مقر الصندوق إلى الانتقال إلى بكين، ووقتها يمكن أن تستمر التحيزات لكن ربما في ظل مجموعة جديدة من اللاعبين والقواعد ومجموعة جديدة من البلدان الساخطة».
وأنهى راجان مقاله قائلاً، «لكن إذا ما أقدمت الدول الأعضاء على إصلاح نظام الحصص ونظام الحوكمة في الوقت نفسه، فإن صندوق النقد الدولي المستقل قد يعمل على توحيد العالم المنقسم على القضايا الرئيسية، ولكي تكون هذه الإصلاحات الشاملة مقبولة لدى بقية الدول، فلا بد أن تتم في أقرب وقت، وإلا فإن بقية الدول قد تعتقد أن هذه محاولة من جانب التحالف الغربي للاحتفاظ ببعض النفوذ ما يهدد بتلاشي الصندوق».