فاز نيكولاس مادورو في الانتخابات الرئاسية بفنزويلا في مفاجأة لاستطلاعات الرأي التي توقعت خسارته، ليبدأ ولاية ثالثة مليئة بالتحديات الاقتصادية التي تنتظره.
أعلنت هيئة الانتخابات الفنزويلية يوم الأحد فوز مادورو بحصوله على 51 في المئة من الأصوات، مقابل حصول المرشح المعارض إدموندو جونزاليس على 44 في المئة، وذلك رغم استطلاعات للرأي أشارت إلى فوز جونزاليس بنسبة 65 في المئة.
واجهت هذه النتائج انتقادات من الحزب المعارض، ولكن هذه ليست الانتخابات الأولى التي يتم التنديد بنتائجها، إذ واجه فوز مادورو عام 2018 رفضاً على نطاق واسع باعتباره غير حر ولا عادل من قبل الأحزاب المعارضة التي طالما انتقدت سياساته الاقتصادية.
الأزمة الاقتصادية
تولى مادورو رئاسة فنزويلا منذ عام 2013، لتبدأ البلاد أزمة اقتصادية استمرت سنوات مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لسبعة سنوات متتالية.
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي لفنزويلا بنحو ثلاثة أرباع بين عامي 2014 و2021، متأثراً بهذه الأزمات، ومع ذلك نما الاقتصاد بنسبة 8 في المئة عام 2022 و4 في المئة عام 2023، ويتوقع صندوق النقد الدولي استقرار النمو عند 4 في المئة عام 2024.
ويقول مجلس العلاقات الخارجية، إنه على مدار العقد الماضي، أدت الأزمات السياسية الداخلية بجانب العقوبات الدولية ضد فنزويلا، والتداعيات المستمرة لجائحة كورونا، إلى تأجيج أزمة إنسانية مدمرة، مع نقص حاد في السلع الأساسية مثل الغذاء ومياه الشرب والبنزين والإمدادات الطبية.
ومنذ عام 2014، فر ما يقرب من ثمانية ملايين لاجئ فنزويلي إلى البلدان المجاورة وخارجها، حيث منحتهم بعض الحكومات إقامة مؤقتة، وتقول وزارة الخارجية الفنزويلية إن أكثر من 300 ألف مهاجر فنزويلي عادوا إلى وطنهم منذ سبتمبر أيلول 2020.
تزامن هذا الانكماش الاقتصادي مع ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، ليتجاوز المستوى 300 ألف في المئة في فبراير شباط 2019، قبل أن يبدأ الانخفاض من جديد، وفقاً لبيانات ريفينتيف.
ووفقاً لمسح أجراه المجلس في نوفمبر 2022، يعيش 50 في المئة من سكان فنزويلا البالغ عددهم 28 مليون نسمة في فقر بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة المطّرد، على الرغم من أن ذلك يمثّل انخفاضاً عن 65 في المئة المسجلة في العام السابق.
أما الآن فقد أصبح التحكم في التضخم السنوي أسهل بكثير، لكنه لا يزال يتجاوز 51 في المئة، ويقول مادورو إن ذلك يظهر أن لديه «السياسات الصحيحة» لإعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح.
ومع ذلك، تظل سياسيات مادورو الاقتصادية تعتمد على قطاع النفط، على حساب قطاعات أخرى، ما قد يثير مخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد الفنزويلي.
معضلة النفط في فنزويلا
تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام في العالم عام 2023 بنحو 303 مليار برميل، وهو ما يمثّل نحو 17 في المئة من إجمالي الاحتياطيات العالمية، ما يجعلها منتجاً رئيسياً للنفط منذ اكتشافه في البلاد عام 1922.
ويمكن اعتبار فنزويلا بمثابة دراسة حالة حول مخاطر التحول إلى دولة يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على النفط، ويرى المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية أن ذلك هو أحد الأسباب الرئيسية لركود الاقتصاد الفنزويلي.
على سبيل المثال، موّلت صادرات النفط ما يقرب من ثلثي ميزانية الحكومة خلال السنوات الأخيرة، وتشير التقديرات لعام 2024 إلى أن هذا الرقم انخفض قليلاً ليصل إلى 58 في المئة.
كما أدّى انخفاض أسعار النفط من أكثر من 100 دولار للبرميل عام 2014 إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل في أوائل عام 2016 إلى دفع فنزويلا في دوامة اقتصادية وسياسية، ورغم ارتفاع الأسعار منذ ذلك الحين، فإن تداعيات هذا الهبوط الحاد لا تزال قائمة في ظل الظروف المعاكسة الأخرى كالعقوبات الغربية وآثار جائحة كورونا.
أرض الذهب والألماس
بجانب النفط، تعتبر أرض فنزويلا غنية بالموارد الطبيعية الأخرى ومنها الغاز الطبيعي وخام الحديد والبوكسيت، والمعادن الأخرى وعلى رأسها الذهب والماس، إذ إنها تمتلك 161.22 طن من احتياطي الذهب، وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي.
وعادة يعثر على الألماس الفنزويلي ممزوجاً بالذهب الغريني، وهو نوع من الذهب يُنتج في المناطق السفلية أو المنخفضة من الأنهار، ويكون ممزوجاً بالرمل الحجري الذي يمكن غسله، ويقع كل من حقلي الألماس سانتا إيلينا ولا باراجوا في مناطق تصب في خزان جوري للطاقة الكهرومائية.
علاوة على ذلك، تصدر فنزويلا الأرز والذرة والأسماك والفواكه الاستوائية والقهوة ولحم البقر من بين عدد من المواد الغذائية الأخرى، إذ تشكّل الزراعة في فنزويلا تقريباً 4.7 في المئة من من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
وتصنع فنزويلا منتجات الصناعات الثقيلة مثل الصلب والألمنيوم والإسمنت وتصدرها، كما تشمل الصناعات التحويلية البارزة الأخرى الإلكترونيات والسيارات.
ويرى الخبراء لدى المجلس أن سبب خروج فنزويلا من الأزمة الحالية هو تنويع اقتصادها بعيداً عن قطاع النفط، واستكشاف القطاع الخاص والموارد الأخرى بهدف تقليل تعرضها للأزمات العالمية المرتبطة بتقلبات أسواق النفط الخام والعقوبات الغربية.