كشفت دراسة بحثية أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، عن تغير خرائط النفوذ في الساحل وغرب إفريقيا بين روسيا و«المعسكر الغربي»، مؤكدة وجود تحولات نفوذ بالساحل الإفريقي لصالح روسيا، وذلك إثر سلسلة من التحولات على صعيد النخب الحاكمة، وجراء انقلابات عسكرية بشكلٍ أساسي في إقليم الساحل الإفريقي، فضلاً عن مجموعة من الانسحابات العسكرية للقوات الفرنسية والأميركية من مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر.
وذكرت الدراسة، التي تحمل عنوان «تغير خرائط النفوذ في الساحل وغرب إفريقيا بين روسيا والمعسكر الغربي»، وأعدها محمد جمعة الخبير في قسم الدراسات الاستراتيجية، ونوف يعقوب السعدي الباحثة في إدارة البحوث بـ«تريندز»، أنه في الوقت الذي تغادر فيه القوات الفرنسية والأميركية إقليم الساحل الإفريقي، تحل قوات روسية من «فيلق إفريقيا» محلها، لتقوم بمهام التأمين، ومكافحة الإرهاب وحركات التمرد هناك.
وأشارت إلى أن روسيا تعمل على إنشاء كتلة موالية لها لتحقيق جميع أهدافها العسكرية والاقتصادية والسياسية بإفريقيا، بالتعاون مع تحالف دول الساحل الذي يتألف من المجالس العسكرية الثلاثة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، كما تسعى روسيا إلى تعزيز المشاركة الاقتصادية مع إفريقيا في مختلف القطاعات، للتخفيف من تأثير التوترات مع الدول الغربية، من خلال توظيف مصادر الإيرادات الجديدة وأسواق التصدير.
وأكدت الدراسة أن روسيا تسعى إلى تعزيز صادراتها الزراعية إلى إفريقيا لزيادة الإيرادات، حيث حاولت الحصول على حصة أكبر من سوق القمح في إفريقيا منذ أواخر عام 2010، واستخدمت الحرب في أوكرانيا لدعم هذه الجهود من خلال استهداف إنتاج الحبوب الأوكرانية وعرقلة تصديرها.
وتوصلت الدراسة إلى أن الوجود العسكري الروسي المتنامي في إفريقيا ربما يمكّن الكرملين من تهديد الغرب وإفشال سياساته، خاصة مع وجود قاعدة بحرية روسية في ليبيا، كما أن الانتشار الروسي في قاعدة الطائرات الأميركية بدون طيار في شمال النيجر؛ قد يخلق الفرصة لروسيا لتهديد عمليات «الناتو» في البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن احتمالية استخدام روسيا بصمتها العسكرية المتزايدة على طول طرق المهاجرين الرئيسية عبر الصحراء الكبرى، لتعزيز تدفقات المهاجرين التي تشكل خطراً على استقرار أوروبا.
في المقابل، وعلى الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها روسيا لبناء علاقات تجارية واقتصادية أقوى مع القارة الإفريقية ومنطقة الساحل، فإن ارتباطات الكرملين الاقتصادية في إفريقيا متواضعة مقارنة بتلك التي كانت للاتحاد السوفيتي، حيث تمثل استثمارات روسيا أقل من 1% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى القارة الإفريقية، وبالتالي فإن الميزة التنافسية الرئيسية لموسكو ضد الغرب تنحصر حتى الآن في قدرتها على تقديم خدمات أمنية وعسكرية رخيصة نسبياً، بما في ذلك نقل الأسلحة، والتدريب والخدمات الاستشارية لمكافحة التمرد، بحسب الدراسة.
وبينت الدراسة أيضاً أن روسيا تفتقر إلى القدرة على زيادة التنمية أو الاستثمار العسكري بشكل كبير في إفريقيا، بسبب القيود الاقتصادية المفروضة عليها، ومع ذلك رجحت الدراسة تعزيز روسيا لنفوذها أكثر فأكثر في الساحل الإفريقي على المديين المنظور والمتوسط.