وصلت مؤشرات توقعات التضخم على المدى الطويل في أوروبا، والتي تحظى بمتابعة وثيقة، إلى أدنى مستوياتها منذ ما يقرب من عامين، في إشارة إلى أن المستثمرين يعتقدون أن البنوك المركزية قادرة على الاستمرار في خفض أسعار الفائدة دون المخاطرة بتفاقم ضغوط الأسعار.
وانخفض ما يُسمّى بمبادلة التضخم الخمسية المستقبلية لمنطقة اليورو -وهو مقياس لتقييم الأسواق لنمو الأسعار خلال النصف الثاني من العقد المقبل- إلى أقل من 2.1 في المائة هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ أكتوبر تشرين الأول 2022، من أكثر من 2.3 في المائة في الشهر الماضي.
في غضون ذلك، انخفض معدل مبادلة التضخم المكافئ للجنيه الإسترليني -الذي يتتبع أسعار التجزئة التي تميل إلى الارتفاع بنحو نقطة مئوية واحدة أكثر من أسعار المستهلك سنوياً- إلى 3.2 في المائة، انخفاضاً من 3.5 في المائة في أبريل نيسان وقريباً من أدنى مستوى له منذ عام 2016.
وقال توماس ويلديك، كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي في تي رو برايس: «إنها خطوة كبيرة.. أعتقد أن المستثمرين يبتعدون عن مخاوف الركود التضخمي إلى توقعات بتباطؤ النمو بسبب الطلب».
تراجعت المخاوف بشأن التضخم مع تركيز المستثمرين على مخاطر الركود العالمي، وخاصة بعد أن دفع تقرير سوق العمل الأمريكي الضعيف في أوائل أغسطس/آب إلى إعادة النظر بشكل كبير في توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
كما انخفضت توقعات التضخم في الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة -حيث حددت الأسواق متوسط معدل التضخم الطويل الأجل عند 2.4 في المائة من 2.6 في المائة في يوليو- مدعومة بوصف بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤخرًا للبيانات الواردة بأنها «تعزز ثقته» في أن التضخم يتحرك نحو هدفه البالغ 2 في المائة.
وقال موهيت كومار، كبير الاستراتيجيين الأوروبيين في جيفريز: «كانت بيانات النمو ضعيفة ويبدو أن اتجاه الانكماش لم يتغير، ويشير كلاهما إلى تراجع الضغوط التضخمية».
وأظهرت الأرقام الصادرة يوم الخميس أيضاً تباطؤ نمو الأجور في منطقة اليورو بشكل حاد في الربع الثاني، ما يعزز الحجة لصالح قيام البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة في الربع الثاني من العام الشهر المقبل.
ارتفعت الأجور المتفاوض عليها في منطقة اليورو في الربع الأول بنسبة 3.6% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بانخفاض عن معدل النمو السنوي البالغ 4.7% في فترة الأشهر الثلاثة السابقة.
وقال ريتشارد ماكجواير، رئيس استراتيجية الأسعار في رابوبانك: «في أوروبا، كانت بيانات الأجور التي تم التفاوض عليها عاملاً في تهدئة أي مخاوف سابقة محتملة بشأن ضغوط الأجور المستمرة».
كما أظهر نمو الأجور في المملكة المتحدة الذي أسهم في ارتفاع التضخم بشكل مستمر في قطاع الخدمات علامات تباطؤ مع تباطؤ الارتفاع السنوي إلى 5.4% في الأشهر الثلاثة حتى يونيو حزيران من 5.8% في الشهر السابق.
وتتبع انخفاض توقعات التضخم أيضًا انخفاض أسعار السلع الأساسية العالمية، بقيادة النفط والغاز والمعادن الرئيسية بما في ذلك النحاس والحديد، مما أدى إلى انخفاض مؤشر بلومبيرغ للسلع الأساسية بأكثر من 10 في المائة منذ مايو.
وقال محللون إن تباطؤ الطلب من الصين على السلع الأساسية ساعد في خفض توقعات التضخم في جميع أنحاء العالم.
وقال ويلديك «لا تقوم الصين فقط بتصنيع أشياء مثل السيارات بأسعار أرخص بكثير، بل إن الاقتصاد يتباطأ وهو ما يخلق طاقة فائضة في أشياء مثل الصلب والتي يحاولون بعد ذلك تصديرها»، مضيفاً أن الطلب على السلع الفاخرة الأوروبية كان أقل أيضا.
ورغم انخفاض توقعات التضخم، يحذّر المحللون أيضاً من أنها من المرجح أن تظل متقلبة، فقد تؤدي الشيخوخة السكانية في أوروبا وتقلص القوى العاملة إلى زيادة الضغوط على الأجور في الأمد البعيد، مع احتمالات «نقص العمالة بشكل أكبر» في المملكة المتحدة، وفقاً لماكجواير من رابوبانك، بسبب القيود المفروضة على الهجرة بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويقول المحللون إن المطالب المالية، بما في ذلك الدعوات إلى زيادة الإنفاق الدفاعي والاستثمار الضخم اللازم لتمويل التحول المناخي، قد تؤدي إلى زيادة الإنفاق العام وزيادة الضغوط التضخمية.
وقال كومار من جيفريز «أعتقد أن التضخم في طريقه إلى الانخفاض، لكن هناك أمراً واحداً يقلقني وهو السياسة المالية.. ربما يكون انخفاض التضخم إلى أقل من 2% قصة في أوائل عام 2026».