تأتي الانتخابات الرئاسية الجزائرية في ظل تحديات اقتصادية كبيرة تواجه البلاد، حيث يعتمد الاقتصاد بشكل رئيسي على عائدات النفط والغاز التي تمثل شريان الحياة للميزانية الوطنية، ومع التقلبات العالمية في أسعار الطاقة وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، تبرز الحاجة الماسة إلى إصلاحات هيكلية عميقة.
وفي هذا السياق، يتساءل الكثيرون عن التغييرات المحتملة في السياسات الاقتصادية التي قد تنبثق من الانتخابات الرئاسية، ومدى قدرتها على تعزيز النمو وتنويع مصادر الدخل لمواجهة التحديات الراهنة.
الوضع الاقتصادي في الجزائر
بلغ الناتج المحلي الإجمالي للجزائر في عام 2023 نحو 163.1 مليار دولار وفقاً لتقارير البنك الدولي، حيث يسهم قطاع النفط والغاز بنسبة تزيد على 90% من إيرادات الدولة و60% من ميزانية الحكومة.
لكن النمو الاقتصادي لا يزال متذبذباً نظراً لتأثره الشديد بتقلبات أسعار النفط.
ووفقاً لإحصائيات المكتب الوطني للإحصاء الجزائري، سجل معدل البطالة في عام 2023 نحو 11.4%. ومع ذلك، فإن البطالة بين الشباب (أقل من 30 عاماً) تتجاوز 26%، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً للحكومة المقبلة.
وشهد التضخم في الجزائر ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة؛ ففي عام 2023، بلغ معدل التضخم السنوي نحو 9.2%، حسب البنك المركزي الجزائري، وهذا الارتفاع في التضخم يؤثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين، ويدفع الحكومة لاتخاذ تدابير للحد من التضخم في المستقبل.
وبحسب صندوق النقد الدولي، ارتفع الدين العام في الجزائر ليصل إلى 63.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، وهذا الارتفاع ناتج عن زيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة تداعيات انخفاض أسعار النفط وتأثيرات جائحة كورونا.
التغييرات المتوقعة في السياسات الاقتصادية
تعتمد الحكومة الحالية والمرشحون الرئيسيون في الانتخابات على برامج تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط والغاز، وتخطط الجزائر لزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 30% بحلول عام 2030، وفقاً لتصريحات وزارة المالية الجزائرية.
ومن المتوقع أن تتضمن السياسات الاقتصادية الجديدة تعزيز النظام الضريبي المحلي، حيث تشير التقارير إلى نية الحكومة رفع الإيرادات الضريبية غير النفطية من 7.5% من الناتج المحلي في عام 2023 إلى 10% في غضون 5 سنوات، حسب خطة وزارة المالية.
الدعم الحكومي والتوظيف
الحكومة الجزائرية خصصت في ميزانيتها لعام 2024 مبلغ 17 مليار دولار لدعم الغذاء والطاقة، وهو ما يشكل تحدياً اقتصادياً في ظل انخفاض الإيرادات، كما تهدف الحكومة إلى إطلاق برامج دعم إضافية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما قد يسهم في تقليل البطالة بنسبة 5% بحلول عام 2028.
الاستثمارات الأجنبية المباشرة
تسعى الجزائر إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، في عام 2023، بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 1.5 مليار دولار فقط، وهو رقم منخفض بالنسبة لاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية، وهناك خطط لرفع هذا الرقم إلى 3 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2025، وفقاً لتقارير وكالة تطوير الاستثمار في الجزائر.
السياسات الاقتصادية للمرشحين في انتخابات الرئاسة
في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، يترشح عدة شخصيات بارزة تمثل أطيافاً سياسية مختلفة، وتتنوع برامجهم الانتخابية بين وعود الإصلاح الاقتصادي ومواجهة الفساد، إلى جانب قضايا الحريات العامة والتحديث السياسي.
وفي ما يلي نلقي الضوء بإيجاز على أبرز المرشحين:
عبد المجيد تبون
تبون مرشح مستقل، لكنه مدعوم من بعض القوى السياسية التقليدية، وتولى منصب رئيس الجزائر منذ عام 2019 بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وشغل سابقاً عدة مناصب حكومية، بما في ذلك رئيس الوزراء ووزير الإسكان.
ويَعد تبون بتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط والغاز، وتحسين مستوى المعيشة وتقليل معدلات البطالة، بالإضافة إلى مكافحة الفساد.
يوسف أوشيش
أوشيش مرشح حزب جبهة القوى الاشتراكية، وهو سياسي معروف وعضو بارز في حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يعتبر من أقدم الأحزاب السياسية في الجزائر.
ويطرح برنامجاً يركز على تعزيز الديمقراطية، تحسين الشفافية ومكافحة الفساد، وتطوير القطاعين الصناعي والزراعي.
عبد العالي حساني شريف
شريف مرشح حزب حركة مجتمع السلم، وهو سياسي بارز ومرشح من الحزب الإسلامي المعروف بتوجهاته المحافظة.
ويدعو إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، وتطوير القطاعات غير النفطية، وتحقيق تكامل اقتصادي مع الدول الإفريقية.
ويَعِد كل مرشح من هؤلاء بخطط مختلفة لإصلاح الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة، لكن نجاحهم يعتمد على مدى قدرتهم على تنفيذ هذه الوعود.
الانتخابات الرئاسية في الجزائر تأتي في وقت حرج بالنسبة للاقتصاد الوطني، يعتمد الوضع المستقبلي للبلاد بشكل كبير على قدرة الحكومة المقبلة على تنفيذ إصلاحات جذرية وتنويع مصادر الدخل لتجنب الاعتماد الكامل على عائدات النفط والغاز.