ستختبر جزر المالديف السوق العالمية للتمويل الإسلامي في الأسابيع المقبلة، حيث تبحث الدولة الأرخبيلية المثقلة بالديون عن خطة إنقاذ تمنعها من أن تصبح أول دولة تتخلف عن سداد شكل رئيسي من أشكال الديون المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

انهار سعر صكوك شبيهة بالسندات بقيمة 500 مليون دولار أصدرتها الحكومة إلى نحو 70 سنتاً للدولار خلال الشهر الماضي قبل موعد سداد مستحق في أكتوبر تشرين الأول، وذلك مع انخفاض احتياطياتها الأجنبية.

وسيكون التخلف عن سداد السندات، التي تُستحق في عام 2026، هو الأول من نوعه من جانب دولة في ما يتعلق بسندات الصكوك، التي بلغ حجمها نحو 860 مليار دولار في بداية العام، وفقاً لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني.

وقال جوشوا لاود، مدير محفظة الأسواق الناشئة في دانسك بنك، حسب ما ذكرت فايننشال تايمز «السؤال الذي يطرحه الجميع هو: هل تكون جزر المالديف أول دولة تتخلف عن سداد صكوكها السيادية؟ ونظراً لأن هذا لم يحدث قط، فأنا أعتقد أن السوق لا تدرك تماماً التأثير».

لقد واجهت البلاد صعوبات في سداد ديونها لدائنيها الرئيسيين، الهند والصين، اللذين اقترضت منهما مبالغ ضخمة لتمويل العجز المتزايد في الميزانية. والآن تهدد أقساط الديون باستنزاف احتياطياتها.

ولكن جزر المالديف، المعروفة بشهر العسل المثالي وتعرضها لمستويات سطح البحر المرتفعة، أصبحت الآن عالقة في المنافسة متزايدة الخطورة على النفوذ الإقليمي بين جارتيها الآسيويتين العملاقتين.

ويخشى المراقبون والمستثمرون العالميون من أن أياً من القوتين لن تقدم الدعم للدولة ذات الأغلبية المسلمة التي يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، الأمر الذي يعرض البلاد لخطر التخلف عن سداد الديون وعملية إعادة الهيكلة المعقدة.

تتبع الصكوك المبدأ الإسلامي المتمثل في تجنب مدفوعات الفائدة التقليدية، وتقدم بدلاً من ذلك للدائنين حصة من الأرباح من أداة مالية أساسية.

وقد باعت حكومات في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة وماليزيا ونيجيريا، سندات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، على الرغم من ارتباطها عادة بحكومات وبنوك الخليج الغنية بالسيولة النقدية، وتتوقع وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال إصدار صكوك بقيمة تصل إلى 170 مليار دولار هذا العام، وتتوقع موديز إصدار أكثر من 200 مليار دولار.

لكن معاناة جزر المالديف، حسب ما ذكرت فايننشال تايمز، تهدد بإرباك التوقعات، فقد انتعشت السياحة بعد الوباء، لكن البلاد تعتمد بشكل كبير على الواردات، كما تسبب التضخم العالمي والإنفاق المرتفع على مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية في تضخم ديونها.

وفي الأسبوع الماضي، قال وزير المالية المالديفي محمد شفيق إن الحكومة قادرة على سداد 25 مليون دولار في أكتوبر تشرين الأول، لكن احتياطيات النقد الأجنبي الصافية هبطت إلى أقل من 50 مليون دولار في يوليو تموز، في حين حاولت الحكومة أيضاً تثبيت ربط عملة الروفية بالدولار الأميركي، وانخفضت الاحتياطيات الإجمالية إلى أقل من 400 مليون دولار، مقارنة بنحو 500 مليون دولار في مايو أيار.

وقال جورج شو، مدير وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في هونج كونج: «انخفضت الاحتياطيات إلى مستوى منخفض للغاية، ويبدو أن خطر التخلف عن السداد أصبح أكثر احتمالاً»، وفي الشهر الماضي خفضت وكالة فيتش تصنيف ديون البلاد للمرة الثانية في شهرين، الأمر الذي أدى إلى تعميق مخاوف المستثمرين العالميين.

وبالإضافة إلى مديري الأصول العالميين مثل بلاك روك وفرانكلين تيمبلتون، يمتلك بنك الإمارات دبي الوطني، وهو بنك مملوك لحكومة دبي، حصة صغيرة من الصكوك المالديفية، وفقاً لبيانات الملكية.

وقال متحدث باسم مكتب الرئيس المالديفي لصحيفة فاينانشال تايمز إن البلاد تعمل على زيادة احتياطياتها من العملات الأجنبية «بما في ذلك استكشاف السندات الخضراء واتفاقيات تبادل العملات المحتملة».

وأضافت أن الحكومة «تتعاون مع الشركاء الثنائيين ومتعددي الأطراف لتلبية احتياجات التمويل الفورية ومتوسطة الأجل».

ولكن خبراء الاقتصاد والمتخصصين في إعادة الهيكلة يقولون إن التخلف عن السداد من شأنه أن يختبر الحدود القانونية، ومن الناحية النظرية تستند الصكوك السيادية إلى أصول يبيعها المصدر عادة لشركة ذات غرض خاص ثم يستأجرها مرة أخرى، مع تصفية الإيجار للمستثمرين كمدفوعات.

وتستخدم الصكوك المالديفية أداة مقرها جزر كايمان، وقد أشارت الحكومة في الماضي إلى استخدام أكبر مستشفى في البلاد، الذي تم بناؤه بتكلفة 140 مليون دولار، كأصل أساسي.

وفي الممارسة العملية، لا يستطيع المستثمرون بسهولة الاستيلاء على هذه الأصول أو بيعها لتحصيل المدفوعات في حالة التخلف عن السداد.

قالت الذراع الاستشارية السيادية لشركة ألفاريز آند مارسال الاستشارية هذا العام، إنه على الرغم من أن «عملية إعادة هيكلة الصكوك السيادية هي مجال قانوني غامض وغير مفهوم بشكل جيد»، فإن الشروط التي تحد من الوصول إلى الأصول تعني أنها ستعمل على الأرجح بشكل مشابه جداً للسندات السيادية غير المضمونة النموذجية.

ويتساءل بعض المحللين عما إذا كان أحد الشركاء الثنائيين للبلاد -الهند أو الصين أو دول مجلس التعاون الخليجي- قد يتدخل لمساعدتها على تجنب التخلف عن سداد ديونها.

وقال لاود من بنك دانسكه: «نظراً لسجلها الحافل بعدم التخلف عن سداد الديون السيادية، فقد تمكنت دولة مثل مصر من إصدار صكوك [بأسعار فائدة أفضل]، ولا أحد يريد أن يرى هذه السمعة تتضرر».

ولقد تدخلت دول الخليج، التي تعد من أكبر مصدري الصكوك، في الماضي للحفاظ على سمعة الصكوك، ففي عام 2018 حصلت البحرين على مساعدات إنقاذ من جيرانها في الخليج.

وقال شو من فيتش «من المتوقع أن يرتفع إجمالي خدمة الدين الخارجي إلى 557 مليون دولار في عام 2025، ويتجاوز مليار دولار في عام 2026، وهذا المبلغ ضخم بالنسبة لهذا الاقتصاد، لكن المالديف لديها شركاء استراتيجيون، بما في ذلك الهند والصين ودول مجلس التعاون الخليجي، ولهذا السبب قد تظل الحكومة قادرة على الاعتماد على الدعم المالي الخارجي من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف».

وقالت سلطة النقد في المالديف، البنك المركزي، بعد تخفيض وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في أغسطس آب إنها تسعى إلى مبادلة عملة بقيمة 400 مليون دولار من خلال هيئة إقليمية في جنوب آسيا، وهو ما يمثل في الواقع عملية إنقاذ من الهند.

ولكن آخرين أقل يقيناً من إمكانية وصول الأموال، ففي العام الماضي فاز محمد معزو بالرئاسة بفضل برنامج «الهند خارج البلاد»، وطلب من الوحدة العسكرية الصغيرة في البلاد أن تغادر قبل أن يصلح الجانبان العلاقات.

وقال أحد المستثمرين في الأسواق الناشئة، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنهم لم يروا «أي علامة» على تدخل الهند أو الصين للمساعدة، مضيفاً أن السندات لا تزال تبدو باهظة الثمن نسبياً مقارنة بخطر التخلف عن السداد.

«إن تعقيد التخلف عن السداد يتفاقم بسبب كونه صكوكاً وعدم اليقين بشأن كيفية التعامل مع إعادة هيكلة الصكوك وبالتالي يمكنك القول إن السندات لا تعكس بشكل كامل خطر التخلف عن السداد على الرغم من الانخفاض الحاد».