شهد جيل «زد» في الصين، المولود بين عامي 1995 و2010، تحولات ذكية كبيرة أجبرتهم على إعادة النظر في تخطيط الإنفاق الخاص بهم، ففي ظل التطور الاقتصادي الشامل أصبح الاعتماد على المنتجات المقلدة أو ما يسمى «بينجتي» ظاهرة متزايدة بشكل كبير، هذه المنتجات الفاخرة التي تحدد العلامات التجارية العالمية بجودة لا يمكن تمييزها عن الأصل، أصبحت الاختيارات المفضلة للشباب بسبب ضعف الدخل، ما يعكس تجسيداً دقيقاً لثقافة الإنفاق في الصين، والتي كانت في وقت سابق واحدة من أكبر الأسواق العالمية للسلع الفاخرة.
تقول تشنغ جيه وين، 24 عاماً، والتي تعمل عارضة أزياء في إحدى وكالات الإعلانات، إنها كانت تجني 30 ألف يوان (4230 دولاراً) شهرياً عندما بدأت العمل قبل عامين، ولكن بدءاً من العام الماضي تم تخفيض راتبها تدريجياً إلى النصف، ما اضطرها إلى خفض إنفاقها ليتناسب مع راتبها الجديد، ما يعني على حد وصفها لشبكة سي إن إن «لا مزيد من لويس فويتون أو شانيل أو برادا»، والتي كانت العلامات التجارية المفضلة لديها سابقاً.
تقول لوريل جو، مديرة شركة مينتل لأبحاث السوق ومقرها شنغهاي، إن التباطؤ الاقتصادي أدى إلى زيادة عمليات البحث على وسائل التواصل الاجتماعي عن «العلامات التجارية المزيفة» ثلاث مرات من عام 2022 إلى عام 2024.
وينفق جيل زد (مواليد من 1995 إلى 2010) رواتبهم المحدودة على ما يسمى بمنتجات «بينجتي»، وهي نسخ مُقلدة طبق الأصل عالية الجودة من السلع ذات العلامات التجارية المعروفة، بعضها لا يمكن تمييزه تقريباً عن المنتج الأصلي، بينما تتواجد في الأسواق الصينية أيضاً طرازات ونماذج مستوحاة من تصميم المنتجات الأصلية مع طرح مزيد من الألوان والمقاسات.
وقالت لوريل جو إنه على عكس ما كان عليه الحال قبل 10 سنوات عندما كان المتسوقون الصينيون أكبر المنفقين على السلع الفاخرة في العالم وكانوا يتدافعون للحصول على السلع الغربية من العلامات التجارية الشهيرة، الآن يتجه المستهلكون إلى بدائل بأسعار معقولة.
على سبيل المثال يكلف بنطال اليوجا «ألين» من لولوليمون 750 يواناً (106 دولارات) على موقع الشركة الرسمي في الصين، ولكن النسخ المُقلدة تُباع بأقل من 5 دولارات، وتزعم مواقع بيع المنتجات المُقلدة أنها ذات «جودة مماثلة».
وبسبب الاعتماد المتزايد على السلع المقلدة انخفضت المبيعات في شركة LVMH المتخصصة في بيع الملابس الفاخرة، بنسبة 10 في المئة في الأشهر الستة الأولى من هذا العام في منطقة آسيا (باستثناء اليابان) مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
الأهم أن التوجه إلى السلع المقلدة يخفض إجمالي الاستهلاك ما يشل قدرة الصين على تحقيق معدل النمو المستهدف، 5 في المئة، الذي تم الإعلان عنه في مارس.
وكشف البنك المركزي الصيني، اليوم الثلاثاء، عن حزمة جديدة من التدابير لإحياء النمو من خلال خفض سعر الفائدة الرئيسي وتقليص كمية النقد التي تحتاج البنوك إلى الاحتفاظ بها كاحتياطي، ما من شأنه تحرير الأموال للإقراض، وبالفعل ارتفعت أسواق الأسهم في هونغ كونغ والصين بقوة استجابة لذلك، حيث أغلق كل من مؤشر هانغ سنغ ومؤشر شنغهاي المركب عند مستوى أعلى بنسبة 4 في المئة.
المستهلكون الحذرون
بعد عام ونصف العام من إعادة فتح الصين حدودها في أعقاب جائحة كوفيد- 19 لا تزال ثقة المستهلك تكافح من أجل التعافي، كما كتب خبراء الاقتصاد في بنك الاستثمار نومورا في مذكرة بحثية في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال الخبراء إن مؤشر ثقة المستهلك انخفض إلى 86 نقطة في يوليو من 86.2 نقطة في يونيو، وهو أعلى قليلاً من أدنى مستوى تاريخي بلغ 85.5 نقطة في نوفمبر 2022، عندما كانت البلاد لا تزال غارقة في ويلات الوباء.
ويقيس المؤشر ثقة المستهلك على مقياس من صفر إلى 200، حيث يشير 100 إلى موقف محايد.
قالت شين شين، معلمة رياضيات ابتدائية من جنوب غرب الصين، لشبكة سي إن إن، إنها كانت في السابق من المعجبين المخلصين لسيروم معالجة التجاعيد من «استي لودر»، ولكن بعد خفض الأجور «الوحشي» بأكثر من 20 في المئة هذا العام، والذي عزته شين شين إلى التحديات الاقتصادية، لجأت إلى بدائل صديقة للميزانية، حيث تشتري سيروم بالمكونات الرئيسية نفسها بسعر مخفض للغاية يبلغ نحو 100 يوان (نحو 14 دولاراً) مقابل 20 مليلتراً، مقارنةً بـ720 يواناً (100 دولار) مقابل 30 مليلتراً من السيروم الأصلي من «استي لودر».
أما نيكول هال، سيدة أعمال تبلغ من العمر 33 عاماً وتعمل لحسابها الخاص في قوانغتشو، فقالت لشبكة CNN، إن افتقارها إلى الثقة في اقتصاد البلاد دفعها إلى خفض الإنفاق، على الرغم من أنها تتوقع أن تجني ما لا يقل عن أربعة ملايين يوان هذا العام (570 ألف دولار) مع زوجها، وقالت «لقد توقفت عن شراء السلع الفاخرة ومنتجات العناية بالبشرة باهظة الثمن، والملابس من العلامات التجارية الشهيرة، بل توقفت عن تناول الطعام في الخارج، وبدلاً من ذلك أطبخ بنفسي أربعة أيام على الأقل في الأسبوع».