يواجه اقتصاد جنوب السودان ضربة مزدوجة من تداعيات الحروب وأزمة الفيضانات المستمرة منذ سنوات، تاركاً آلاف المواطنين في صراع مع النزوح وارتفاع الأسعار ونقص الأجور، بينما يقترب خطر انعدام الأمن الغذائي أكثر يوماً بعد يوم.
وقالت الأمم المتحدة في بيان إن نحو 75 في المئة من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية بسبب النزوح والفقر المنتشرين على نطاق واسع في الدولة المستقلة منذ نحو 13 عاماً بعد سنوات من الصرع.
اقتصاد يعاني منذ الاستقلال
استقلت دولة جنوب السودان عام 2011 بعد حرب طويلة انتهت باتفاق سلام، لتفوق على حرب أهلية جديدة بعد أقل من عامين من الاستقلال، تليها حروب في دولة السودان المجاورة.
ويظل اقتصاد جنوب السودان يعاني آثار الحرب الأهلية التي اندلعت في الفترة من 2013 إلى 2018، ويتدهور بشكل أكبر بسبب الحرب المشتعلة في دولة السودان المجاورة، ما يضغط على إيرادات النفط.
ومن بين أبرز التداعيات الاقتصادية نقص الغذاء وارتفاع أسعار السلع والخدمات، إذ تصدرت دولة جنوب السودان أعلى دول العالم في تضخم أسعار الغذاء البالغ 164 في المئة بحلول الأول من يوليو تموز 2024، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
وتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير 2024، أن يواصل التضخم في جنوب السودان الارتفاع إلى 54.8 في المئة خلال العام الجاري، قبل أن يبدأ بالانخفاض بداية من عام 2025.
كما أوضح وزير المالية في جنوب السودان ماريال دونجرين أتير الأسبوع الماضي، أن الاقتصاد انكمش خمسة بالمئة في السنة المالية 2023-2024 بسبب اضطرابات في إنتاج النفط وصادراته وتأثير الفيضانات في أجزاء من البلاد.
وبهدف مواجهة التحديات الاقتصادية، ذكر أتير أن الإنفاق الحكومي سيتضاعف تقريباً إلى 4.17 تريليون جنيه (نحو 1.4 مليار دولار) في السنة المالية 2024-2025، والتي تبدأ في يوليو وتنتهي بنهاية يونيو، من 2.1 تريليون جنيه في العام السابق.
وقال وزير المالية إن الإنفاق في ميزانية 2024-2025 من المتوقع تمويله عبر إيرادات نفطية قيمتها 1.138 تريليون جنيه، في حين من المتوقع أن تبلغ الإيرادات غير النفطية 1.119 تريليون.
الفيضانات.. عائق جديد
أدت فيضانات هائلة غير مسبوقة إلى نزوح مئات الآلاف من ديارهم في مناطق مختلفة من جنوب السودان، إذ يعاني أكثر من ثلثي البلاد من الفيضانات وآثار تغيّر المناخ، التي أصبحت تشكل تهديداً دائماً للأرواح والممتلكات والبنية التحتية.
وكشف أحدث تقرير عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، أن جنوب السودان يواجه أسوأ فيضانات شهدها منذ عقود، التي تسببت في تضرر أكثر من 700 ألف شخص في 38 من أقاليم البلد الـ79.
وفي محاولة لإبعاد مياه الفيضانات، بنى فريق مؤلف من مهندسين عسكريين باكستانيين يعملون في إطار بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، جداراً من التراب حول أحد المخيمات يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار لحمايته من المياه.
ويعمل الفريق على مدار الساعة لتدعيم الجدار، وقد تمكن من إقامة سواتر ترابية على امتداد أكثر من 120 كيلومتراً، ما يجعله الوسيلة الوحيدة للإدخال المواد الغذائية والمؤن.
عودة تصدير النفط إلى السودان
تمثّل صادرات النفط مصدراً مهماً للإيرادات في جنوب السودان، ويحصل السودان على حصة من الخام كرسوم عبور.
وكان جنوب السودان ينقل نحو 150 ألف برميل يومياً من النفط الخام عبر السودان للتصدير بموجب اتفاقية بعد استقلاله عن الخرطوم في 2011 ليسيطر على معظم إنتاج النفط.
وتوقف خط الأنابيب الرئيسي الذي ينقل النفط من جنوب السودان عبر السودان للتصدير منذ شهر بسبب مشكلات على صلة بالحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما ضغط سلباً على عوائد تصدير النفط التي تتعرض بالفعل لضغوط قوية.
ولكن قال وزير مالية جنوب السودان ماريال دونجرين أتير في وقت سابق من سبتمبر أيلول الحالي إن هناك تقدماً يُحرز نحو استئناف ضخ النفط الخام المنتج محلياً عبر السودان باستخدام خط أنابيب يمتد إلى ميناء في الجارة الشمالية.
وقال مكتب رئيس جنوب السودان سلفا كير في بيان نقلته وكالة رويترز بعد اجتماع في جوبا بين كير وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان «المهندسون السودانيون أنهوا الاستعدادات الفنية اللازمة لاستئناف إنتاج النفط».
بصيص أمل
قالت مجموعة البنك الإفريقي للتنمية في نهاية الأسبوع الماضي إنها وافقت على منحة قدرها 19.8 مليون دولار لمساعدة جنوب السودان على الاستجابة لأزمة اللاجئين السودانيين في البلاد.
وقال البنك الإفريقي للتنمية إن مشروع الاستجابة لأزمة اللاجئين السودانيين يهدف إلى بناء السلام والإدماج والقدرة على الصمود في مجتمعات جنوب السودان.
كما ذكر البنك في بيان يوم الجمعة «يهدف المشروع إلى دعم التكامل الشامل والسلمي للاجئين والعائدين في المجتمعات، وتعزيز التماسك الاجتماعي بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة، وتحسين الرفاهة الاجتماعية والاقتصادية لهذه المجتمعات».
ومن المقرر تنفيذ المشروع من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي ستسهم بمبلغ إضافي قدره 2.43 مليون دولار، ليصل إجمالي تكلفة المشروع إلى 22.23 مليون دولار.