أُشيدَ بأدوية إنقاص الوزن مثل ويجوفي وأوزمبيك في جميع أنحاء العالم باعتبارها ثورية في تاريخ الطب، وفي المملكة المتحدة تأمل الحكومة أن تحسن هذه الأدوية أوضاع الموازنة العامة، وتتطلع إلى استخدامها لمساعدة العاطلين على العودة إلى سوق العمل وتوفير جزء من الإنفاق الموجه للرعاية الصحية.

كتب وزير الصحة البريطاني، ويس ستريتنج، مؤخراً في صحيفة التليغراف «بالنسبة للعديد من الناس، فإن هذه الحقن لإنقاص الوزن ستغير حياتهم، وتساعدهم على العودة إلى العمل، وتخفف من المطالب المفروضة على هيئة الخدمات الصحية الوطنية».

وأضاف ستريتنج أن السمنة «تفرض عبئاً كبيراً على خدماتنا الصحية»، إذ تكلف هيئة الخدمات الصحية الوطنية 11 مليار جنيه استرليني (14 مليار دولار) سنوياً وتدفع الناس إلى أخذ أربعة أيام مرضية إضافية في المتوسط سنوياً ما يضرُّ بالاقتصاد.

وللتغلب على ذلك تمول الحكومة تجربة مدتها خمس سنوات لعقار إنقاص الوزن «موجارو»، أو «تيرزباتيد»، بالاشتراك مع شركة تصنيع الأدوية إيلي ليلي، التي ستجمع البيانات بشأن جودة حياة المشاركين والتغيرات التي تطرأ على وضعهم الوظيفي واستخدامهم للإجازات المرضية.

لكن المقترحات أثارت ردود فعل عنيفة من جانب المتخصصين في الرعاية الصحية، الذين قالوا إن العلاجات الصيدلانية الجديدة أدت إلى طلب هائل لا يستطيع نظام الصحة العامة في البلاد التعامل معه.

ويرى خبراء الصحة أن هناك حاجة ماسة إلى تدابير إضافية لمنع السمنة في المقام الأول.

حل سطحي

لقضية السمنة أهمية بالغة في المملكة المتحدة، ويعاني ما لا يقل عن 29 في المئة من البالغين في إنجلترا من السمنة، وكذلك 15 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و15 عاماً، وفقاً لأحدث مسح صحي لإنجلترا في عام 2022.

السمنة هي ثاني أكثر أسباب الوفاة التي يمكن الوقاية منها شيوعاً في إنجلترا، بعد التدخين، وفقاً لبيانات الصحة الحكومية، كما أنها عامل رئيسي في الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وأمراض القلب والأوعية الدموية والخرف وأمراض الكبد والعديد من أنواع السرطان.

قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إن حكومته بحاجة إلى «التفكير بشكل مختلف» بشأن كيفية تقليل الضغط على نظام الرعاية الصحية الوطني في البلاد، المُثقل بسبب نقص الموظفين وضغوط التمويل.

إن جزءاً من هذا التفكير المختلف يتلخص في ابتكار أدوية إنقاص الوزن.

مع ذلك يؤكد الأطباء أن النظام الصحي المُرهق بالفعل يصعب عليه إدارة نظم الأدوية على نطاق واسع، وتحتاج الحكومة إلى حلول أعمق بكثير.

وقال ألفريد سليد، رئيس الشؤون الحكومية في تحالف «صحة البدانة»، وهو تحالف من المنظمات التي تعمل معاً للحد من السمنة في المملكة المتحدة إن «الاعتماد على ابتكار أدوية جديدة كحل نهائي للسمنة هو وهم، ما زلنا بحاجة إلى منع حدوث السمنة لأكبر عدد ممكن من الحالات».

وحلل تحالف «صحة البدانة» الأرقام المتعلقة بأدوية إنقاص الوزن الحالية مثل «ويغوفي»، الاسم التجاري لعقار قمع الشهية «سيماجلوتيد»، والاستنتاج: يكاد يكون من المستحيل جعل الدواء متاحاً على نطاق واسع.

حالياً يستوفي نحو 4.1 مليون شخص «سمين» المعايير اللازمة للحصول على ويغوفي من خلال نظام الرعاية الصحية الوطني في إنجلترا، ولكن أقل من 50 ألف شخص سنوياً سوف يتلقون العلاج بالفعل بسبب نقص التمويل ومستويات التوظيف.

لتحسين إمكانية الحصول على العلاج تعمل الحكومة على التوسع في استخدام عقاري «مونجارو» و«تريزباتيد» لمرضى السمنة بالإضافة إلى مرضى السكري من النوع الثاني، وتزعم وزارة الصحة أن العقارين سيصلان إلى 250 ألف شخص في أشد الحاجة إليهما على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

وقال تحالف «صحة البدانة» إنه ليس من الواضح كيف ستدفع الحكومة ثمن الأدوية، أو كيف تخطط لتمويل «الدعم الشامل» الذي يعد ضرورياً إلى جانب هذه الوصفات الطبية.

وحتى لو استطاعت الحكومة تحقيق أهدافها ستكون قادرة على تقديم الأدوية لأقل من 4 في المئة من إجمالي المستحقين.

الأولوية: الصحة أم الاقتصاد؟

التجربة الحكومية في دراسة الروابط بين أدوية إنقاص الوزن والتوظيف تدق ناقوس الخطر بين خبراء الرعاية الصحية الذين يرون أن الحاجة الطبية يجب أن تكون دائماً الدافع الرئيسي وراء الوصفات الطبية.

كتب جاك دوغتي، كبير مسؤولي السياسات في منظمة «مرض السكري في المملكة المتحدة» في منشور على مدونته الخاصة «يجب أن تكون خدمات التخلص من السمنة متاحة لكل من يمكن أن يستفيد منها، ولكن عندما يتعين تحديد الأولويات، فيجب أن يتم ذلك على أساس الحاجة السريرية وليس الناتج الاقتصادي المحتمل للمريض».

وكانت وزارة الصحة في المملكة المتحدة واضحة في أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية ستستمر في علاج الأشخاص على أساس الحاجة السريرية وليس إعطاء الأولوية للعاطلين عن العمل.

والوقاية المبكرة عادةً ما تُترجم إلى وفورات «ضخمة» في التكاليف.

وفقاً لمارتن وايت، أستاذ أبحاث صحة السكان في جامعة كامبريدج، فإن إحدى القضايا الرئيسية المتعلقة بأدوية إنقاص الوزن هي أنها «تتعامل مع الأعراض، وليس السبب» للسمنة، والمفترض أننا بحاجة إلى معالجة كليهما.

وقال وايت «إنها مشكلة تشمل السكان بأكملهم، وليس عدداً صغيراً من الأفراد، يتعين علينا أن نعمل على إيجاد طرق لتغيير السياق أو البيئة التي تدفع الناس إلى تناول هذا الكم الهائل من السعرات الحرارية الزائدة».

إحدى الطرق هي فرض ضرائب أعلى على المنتجات غير الصحية.

على سبيل المثال أدت ضريبة المملكة المتحدة على المشروبات الغازية السكرية بالفعل إلى دفع الشركات المصنعة إلى تقليل كمية السكر في المشروبات الغازية، وتشير الدراسات إلى أن زيادات الأسعار تردع بعض المستهلكين، وهناك دعوات متزايدة لفرض ضرائب على المنتجات الغذائية التي تحتوي على السكر والملح بطريقة مماثلة.

كما يدعو الخبراء إلى فرض لوائح تسويقية أقوى لمنع الإعلان عن الأطعمة غير الصحية للأطفال.

في أكتوبر 2025 سيدخل قانون حاسم حيز التنفيذ في المملكة المتحدة يمنع الإعلان عن الوجبات السريعة قبل الساعة التاسعة مساءً على التلفزيون وخدمات البث وعلى الإنترنت.

حل سيادي آخر مُقترح وهو إلزام مؤسسات القطاع العام، مثل المدارس والمستشفيات والسجون، بتقديم طعام أكثر صحية، يقول وايت إن هذا النوع من التدخل يمكن تطبيقه أيضاً على القطاع الخاص، إذا طُلب من المكاتب ومقدمي الطعام للشركات تقديم طعام أكثر صحية.

بالطبع تغيير نظام غذائي أصعب من وصف الدواء، لكن معالجة مشكلة السمنة التي تؤثر على ما يقرب من ثلث البالغين البريطانيين ستتطلب حلولاً متعددة، عبر جميع قطاعات المجتمع، أو كما يرى تحالف «صحة البدانة» أنه لا يوجد حل بسيط لمشكلة مُعقدة «لا توجد رصاصة فضية لمشكلة مثل السِمنة».