أظهرت بيانات من هيئة الإحصاء الروسية (روستات)، يوم الأربعاء، أن التجنيد المكثف من قبل القوات المسلحة والصناعات الدفاعية أدى إلى ابتعاد العمال عن الشركات المدنية، كما فعلت الهجرة، ما دفع معدل البطالة إلى مستوى منخفض قياسي بلغ 2.3 في المئة.
ساعدت الزيادات الهائلة في الإنفاق الدفاعي روسيا على تحدي التوقعات المبكرة في الداخل وفي الغرب بانهيار اقتصادي كارثي في عام 2022، مع انكماش صغير فقط في ذلك العام.
وبالفعل تعافى الاقتصاد في عام 2023، لكن نقص العمالة، وأسعار الفائدة البالغة 21 في المئة، والتضخم المرتفع، أظهروا بعض التصدعات في الاقتصاد، بحسب رويترز.
أشار الرئيس فلاديمير بوتين إلى نقص العمالة باعتباره مشكلة اقتصادية كبرى، وحدد تعزيز مؤشر إنتاجية العمل في روسيا كأحد أهداف التنمية الوطنية الرئيسية، كما تسعى روسيا إلى تشجيع النساء على إنجاب المزيد من الأطفال.
وبحسب إدارة العمل في المنطقة، بلغ عدد الوظائف الشاغرة في مدينة سفيردلوفسك، موطن العديد من مصانع قطاع الدفاع، 54,912 وظيفة في بداية أكتوبر تشرين الأول، مقارنة بـ8,762 عاطلاً عن العمل.
في المنطقة الفيدرالية المركزية التي يسكنها نحو 40 مليون شخص في غرب روسيا، هناك تسع وظائف شاغرة لكل شخص عاطل عن العمل، بحسب ما أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى المنطقة إيغور شيجوليوف يوم الثلاثاء.
قالت شركة التوظيف الروسية «سوبر جوب» إن الوظائف الشاغرة في جميع أنحاء روسيا زادت بمقدار 1.7 مرة في عامين، و2.5 مرة في الصناعة، في حين يقول البنك المركزي إن 73 في المئة من الشركات الروسية تعاني من نقص الموظفين.
وقال روستيسلاف كابيليوشنيكوف، نائب مدير مركز أبحاث العمل في الكلية العليا للاقتصاد في موسكو، في تقرير «لقد تحولت (مجاعة الموظفين) إلى ظاهرة عالمية، شملت جميع أجزاء النظام الاقتصادي تقريباً».
أجرت رويترز مقابلات مع أكثر من اثنتي عشرة شركة وعمال وموظفين وخبراء اقتصاد حول صناعات متنوعة مثل البناء والزراعة وتكنولوجيا المعلومات، وكان الموضوع الرئيسي هو أن العمال نادرون وأن احتمالات العثور على المزيد منهم قاتمة.
نقص العمالة
تسبب انخفاض معدل المواليد في روسيا لسنوات عديدة في حدوث مشكلات أدت إلى نقص العمالة في روسيا، لكن إطلاق ما تسميه موسكو «عملية عسكرية خاصة» أدى إلى انضمام عشرات الآلاف من العمال المحتملين إلى الجيش وهجرة كثيرين آخرين.
وفي الوقت ذاته، بدأ قطاع الدفاع في التوظيف بسرعة.
قال أندريه جارتونج، رئيس مصنع التشكيل والضغط في تشيليابينسك، إنه لا يمكن ترك أوامر الدفاع دون الوفاء بها، وسوف يتباطأ الطلب على الموظفين فقط عندما تتباطأ الطلبات، ولا يتوقع أي تخفيضات في المستقبل القريب.
وكان الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، الذي يشغل الآن منصباً رفيع المستوى في مجال الأمن، قد وعد الموظفين «بالكثير من العمل» خلال زيارته لمصنع الدبابات أورال فاجون زافود الأسبوع الماضي.
قالت ناتاليا زوباريفيتش، الأستاذة بجامعة موسكو الحكومية، إنه من الصعب على الصناعات المدنية المنافَسة.
وأضافت «لا توجد قيود في الصناعات الدفاعية، فقد حصلت على تمويل هائل، حتى تتمكن من رفع الرواتب واستقطاب العمال».
في سفيردلوفسك، يتلقى أولئك الذين يتطوعون للقتال في أوكرانيا مكافأة توقيع لمرة واحدة قدرها 2.1 مليون روبل، أو ما يعادل 18,560 دولاراً أميركياً، وهو ما يقرب من 25 مرة أعلى من متوسط الأجر الشهري في روسيا.
وقال ممثل إحدى وكالات التوظيف المحلية إن عملاء شركته فقدوا عمالاً ذهبوا إلى الجبهة.
البناة والمزارعون والشرطة
يقول أصحاب العمل إن النقص حاد في قطاعات التصنيع والخدمات اللوجستية وتكنولوجيا المعلومات، لكنه كان أكثر حدة في قطاع البناء، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وصعوبة الالتزام بالمواعيد النهائية والجودة، وفقاً لليديا كاتاسكينا، مديرة الموارد البشرية في جلافستروي.
وقال سيرجي باخوموف، مدير شركة تطوير الأورال «جولوس غروب»، إن الشركة اضطرت إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستتولى مشاريع جديدة أم لا.
وقال «ليس بسبب عدم وجود أموال، ولكن هل سيكون هناك ما يكفي من العمال للقدوم إلى موقع البناء للعمل؟»، وتوقع أن تتفاقم المشكلة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقالت وزيرة الزراعة أوكسانا لوت إن نحو مئتي ألف شخص، أو 3.3 في المئة من إجمالي العاملين الزراعيين، سيغادرون القطاع في عام 2023.
وقالت جمعية إنترأغرو تيك للمنتجين الزراعيين إن النقص يؤثر على كل شيء من الزراعة إلى الحصاد، ما يؤثر على جودة المحاصيل وسلامتها.
وقالت فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الشيوخ الروسي، هذا الأسبوع، إن النقص خطير أيضاً في وزارة الداخلية التي تدير الشرطة، وقالت الوزارة إن عدد الوظائف الشاغرة تضاعَف في عامين إلى 173,800، أو 18.8 في المئة من إجمالي الموظفين، بحلول أوائل نوفمبر تشرين الثاني.
نقص المهاجرين
تحرص الشركات، مثل شركة البيع بالتجزئة الرائدة إكس 5، على التحول إلى الرقمنة، ولكن كما أشار البنك المركزي، فإن العقوبات الغربية تجعل من الصعب استيراد المعدات ذات الصلة من الخارج.
ودعا وزير الاقتصاد ماكسيم ريشيتنيكوف الأسبوع الماضي المناطق إلى توظيف الشباب والمتقاعدين والأشخاص ذوي الإعاقة، فضلاً عن رفع القيود المفروضة على العمل الإضافي.
ومع ذلك، لا تزال القيود المفروضة على العمال المهاجرين قائمة، على الرغم من أن جماعة الضغط التجارية «الاتحاد الروسي للصناعيين ورجال الأعمال» قالت إن ثلثي الشركات تواجه صعوبة في جذب العمال الأجانب الذين تقول إنها بحاجة إليهم.
ويتوقع خبراء الاقتصاد ومسؤولو التوظيف أن تشتد أزمة العمالة في روسيا، وهو عامل قد يسهم في تباطؤ النمو.
وتتوقع وزارة الاقتصاد الروسية أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي من نحو 3.9 في المئة هذا العام إلى 2.5 في المئة العام المقبل، وقال مارك دينيسوف، مفوض حقوق الإنسان في منطقة كراسنويارسك، إن النقص في عدد الأطباء قد يرتفع إلى 40-45 في المئة من 25.7 في المئة الآن في السنوات الخمس إلى السبع المقبلة.
وتقول السلطات الروسية إن الاقتصاد يحتاج إلى 2.4 مليون شخص إضافي في قطاعات التصنيع والنقل والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات بحلول عام 2030.