يشير تاريخ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، إلى أسلوبه ربما غير التقليدي لتحقيق أهدافه، ولكن عام 2025 سيقابل شيئاً مماثلاً له في القوة وربما أقوى، وهو سوق السندات.
وبينما يستخدم دونالد ترامب أسلوباً جريئاً في نقاشاته في غرف الاجتماعات، والغرف المغلقة، وغرف الأخبار، وقاعات المحاكم، حتى غرفة العمليات في البيت الأبيض، ولكن لا يوجد مجال لهذا الأسلوب في غرف التداول في سوق السندات.
إن أجندة الرئيس المنتخب السياسية واضحة، فقد تعهد خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم أعلى على السلع المستوردة، وترحيل الملايين من المهاجرين غير الشرعيين، وخفض الضرائب المفروضة على الأميركيين، ومن المؤكد أن التأثيرات التضخمية المُجمعة لمثل هذه القرارات ستكون أشد حدة من أي وفر ستحققه لجنة كفاءة الحكومة بقيادة الملياردير إيلون ماسك، ورائد الأعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية فيفيك راماسوامي.
وعلى الرغم من أن مصطلح (الانضباط المالي) أصبح غير مرحب به في هذه المرحلة، فإن هناك حدوداً لقدر الإنفاق الذي يتسامح معه مقرضو الولايات المتحدة.
وقد تعلم زعماء العالم الدرس من تجربة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، ليز تروس، التي تسببت التخفيضات الضريبية غير الممولة في حصولها على لقب «صاحبة أقصر مدة حكم في تاريخ بريطانيا».
مؤشرات مقلقة
ارتفع الدين الفيدراليبنسبة 75 في المئة إلى نحو 35 تريليون دولار مقارنة بأقل من 20 تريليون دولار عندما فاز ترامب بالانتخابات لأول مرة عام 2016، وتفسر ثلاثة أحداث رئيسية هذا الارتفاع: التخفيضات الضريبية، وتكلفة التعافي من الوباء، وحزم دعم البنية التحتية والصناعة التي تم إقرارها في عهد الرئيس جو بايدن.
الآن تبلغ نسبة الدين الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي 120 في المئة، مع عجز يبلغ 1.8 تريليون دولار في السنة المالية 2024.
ومن المتوقع أن ترتفع تكلفة الاقتراض، فالمستثمرون يعرفون توجهات السياسيين جيداً، وبالفعل قفز العائد على سندات الخزانة لمدة 10 سنوات إلى ما يقرب من 4.5 في المئة في الأسبوع الذي تلا انتخابات 5 نوفمبر بعد أن أصبح من الواضح أن الجمهوريين سيسيطرون على غرفتي الكونغرس إلى جانب فوز ترامب، هذا مقارنة بعائد 3.6 في المئة على السندات نفسها في منتصف سبتمبر، عندما كانت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تتقدم في استطلاعات الرأي.
تحتاج الولايات المتحدة إلى ما يقرب من 8 تريليونات دولار من الاقتراض الإضافي على مدى العقد المقبل لتحمل بندين فقط من تعهدات ترامب؛ رفع الرسوم الجمركية وتطبيق التخفيضات الضريبية، وفقاً لتقديرات اللجنة غير الحزبية للميزانية الفيدرالية المسؤولة.
لهذا يستغل مشترو الديون الأميركية الموقف ويطلبون سعراً أعلى.
أسعار الفائدة
تميل عائدات السندات إلى التحرك في الاتجاه نفسه لأسعار الفائدة التي يقرها الفيدرالي الأميركي، والذي بدأ بالفعل بخفضها، بعد أن قمع التضخم المرتفع من خلال رفع سعر الفائدة الفيدرالية القياسي إلى أكثر من 5 في المئة، ولكن الآن يتعين على البنك المركزي مراجعة خططه لخفض آخر بنسبة نقطة مئوية واحدة عام 2025 تحسباً لتأثير قرارات ترامب، التي ستصعب مهمة خفض سعر الفائدة.
يقول الخبير الاستراتيجي، جيمس كارفيل، إن «السوق يمكنها إرهاب الجميع»، والدليل على ذلك إسقاط رئيسة الوزراء، ليز تراس، بعد أن ثار مستثمرو الديون ضد اقتراحها للميزانية المُصغرة، ما هبط بالجنيه الإسترليني إلى أضعف مستوياته مقابل الدولار، ودفع عائدات السندات الحكومية لمدة عام واحد إلى أكبر ارتفاع لها في يوم واحد، «تم طردها بواسطة قوى السوق».
ويستعين كارفيل بتجربته في إعداد الاستراتيجية الاقتصادية للرئيس بل كلينتون لشرح الوضع الحالي، «في عام 1993، ارتفعت عائدات سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات بنحو 3 نقاط مئوية في عام واحد، فيما أصبح يُعرف باسم مذبحة السندات العظيمة، في ذلك الوقت بلغ العجز 3.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ6.2 في المئة عام 2023، بعد بضع سنوات فقط، كانت البلاد تحقق فوائض في الميزانية، بعد أن شعرت السلطات بالخوف الكافي من النزاهة المالية».
بصفتها أكبر اقتصاد وحارسة العملة الاحتياطية الأهم في العالم، تتمتع الولايات المتحدة ببعض المزايا المتأصلة عندما يتعلق الأمر ببيع أدوات الدين.
هناك احتمال ضئيل لفشل مزاد السندات الحكومية، ويرجع ذلك إلى التزام المتعاملين الأساسيين مثل البنوك بتقديم العطاءات، ولكن خفض التصنيف الائتماني أو اندلاع ثورة من جانب مجموعة صغيرة ممن يسموا بحراس السندات هو كل ما قد يتطلبه الأمر لإضعاف الطلب ودفع العائدات إلى الارتفاع.
وحراس السندات هم مستثمرون يتخلصون من السندات الحكومية حال مواجهة سياسات مالية تضخمية أو غير مسؤولة، ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في تكاليف الاقتراض للحكومة.
إن مثل هذه الظروف قد تدفع البنوك إلى تسجيل خسائر في محافظها الاستثمارية وربما تتسبب في تعطل الأسواق في نسخة أكثر تطرفاً مما حدث في أثناء انهيار بنك وادي السيليكون عام 2023.
كما سيتسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض في عرقلة النمو الاقتصادي من خلال الحد من نشاط القروض، بما في ذلك الرهن العقاري السكني، وهذه الأزمات ستحظى بالطبع باهتمام وزارة الخزانة وزعماء الكونغرس، وهؤلاء، مع قوى سوق السندات، من المرجح أن يضعفوا يد ترامب القوية الممسكة بوعود حملته الانتخابية.