وسط نزاعات قاسية وطقس متقلب وتضخم مرتفع، تزداد أعداد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية، وفي جهة أخرى تقف الدول المانحة عاجزة عن سد الاحتياج بتقديم مساعدات أقل من المطلوب، ما يزيد حالة الفقر التي تكدر حياة الناس.
وصلت الأمم المتحدة إلى نحو أقل من نصف إجمالي الأموال التي كافحت لجمعها خلال 2024 للمساعدات الإنسانية، وكانت تهدف لجمع نحو 49.6 مليار دولار، خلال العام، لتكون السنة الثانية على التوالي التي تجمع فيها الهيئة العالمية أقل من نصف ما سعت إليه، وفقاً لبياناتها.
أما العام المقبل، فستظل المعاناة تلوح في الأفق، وبحسب ما ذكرته الهيئة أنها في أفضل الأحوال ستكون قادرة على جمع ما يكفي من المال لمساعدة نحو 60 في المئة من 307 ملايين شخص تتوقع أنهم سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية العام المقبل، وهذا يعني أن 117 مليون شخص على الأقل لن يحصلوا على الغذاء أو أي مساعدة أخرى في عام 2025.
وأجبر العجز الوكالات الإنسانية على اتخاذ قرارات مؤلمة، مثل خفض الحصص الغذائية للجوعى وخفض عدد الأشخاص المؤهلين للحصول على المساعدات، وفي عام 2023 واجه ما يقرب من 282 مليون شخص في 59 دولة ومنطقة مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
لماذا تزداد الأزمة؟
أدت تزايد الصراعات وتقلب الطقس وارتفاع الأسعار إلى جعل أعداد متزايدة من الناس بحاجة إلى مساعدات إنسانية، كما تتزايد الفجوة بين التمويل الذي تسعى إليه الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية والمبلغ الذي يقدمه المانحون بالفعل، وهي كلها عوامل تؤدي إلى تأجيج حالة الجوع.
وأدت الضغوط المالية والسياسات الداخلية المتغيرة تعيد تشكيل قرارات بعض الدول الغنية حول أين وكيف تقدم المساعدات، وعلى سبيل المثال خفضت ألمانيا التمويل للمساعدات الإنسانية من 3.55 مليار دولار في 2023 إلى 3.05 مليار دولار في 2024، كما أوصت حكومة البلاد بخفض آخر قدره مليار دولار في المساعدات الإنسانية لعام 2025.
وقال توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة، لرويترز: «لقد اضطررنا إلى تقليص النداءات الموجهة إلى أولئك الأكثر احتياجاً».
كما تصل المساعدات في بعض الأحيان متأخرة، ما يجعل من الصعب على المنظمات الإنسانية الاستجابة بمرونة للأزمات.
أهم المانحين
تأتي غالبية التمويل الإنساني من ثلاث جهات مانحة غنية فقط، هي: الولايات المتحدة وألمانيا والمفوضية الأوروبية، الذين قدموا 58 في المئة من 170 مليار دولار سجلتها الأمم المتحدة استجابة للأزمات من عام 2020 إلى عام 2024.
وفي المقابل، أسهمت ثلاث قوى أخرى، الصين وروسيا والهند، مجتمعة بأقل من 1 في المئة من التمويل الإنساني الذي تتبعه الأمم المتحدة خلال الفترة نفسها.
وفي عام 2023، أنفقت الصين 11.5 مليون دولار على المساعدات الإنسانية، وصرفت الهند 6.4 مليون دولار، فيما كانت روسيا أكرم الجميع بتقديمها 34 مليون دولار للمساعدات في العام نفسه.
يأتي موقف الصين والهند اللتان قدمتا مساعدات ضئيلة لسد أفواه الجائعين، في وقت أنفقت بكين فيه مليارات الدولارات لاستضافة دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية لعام 2022، وسارت على نهجها جارتها الهند التي أنفقت 75 مليون دولار في عام 2023 لهبوط مركبة فضائية على القمر.
وقال ليو بينجيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، إن الصين كانت تدعم دائماً برنامج الأغذية العالمي، وأشار إلى أنه يطعم 1.4 مليار شخص داخل حدودها، معقباً أن هذا في حد ذاته مساهمة كبيرة في الأمن الغذائي العالمي.
وصول ترامب قد يهدد أكبر مصدر للمساعدات
فيما مثلت الولايات المتحدة الدور القيادي في منع ومكافحة المجاعة في جميع أنحاء العالم، إذ قدمت نحو 64.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية على مدى السنوات الخمس الماضية، تترقب المنظمات الإنسانية ما يقترحه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بعد أن يبدأ ولايته الثانية، إذ إن هناك مجالاً لخفض المساعدات الخارجية كما فعل في ولايته الأولى.
وضع مؤيدو ترامب لفترة ولايته الثانية، مشروع 2025، ويدعون الوكالات الإنسانية إلى العمل بجدية أكبر لجمع المزيد من التمويل من الجهات المانحة الأخرى، ويقول إن هذا يجب أن يكون شرطاً للمساعدات الأميركية الإضافية.
تنص خطة المشروع على أن المساعدات الإنسانية تدعم اقتصادات الحرب، وتخلق حوافز مالية للأطراف المتحاربة لمواصلة القتال، وتثني الحكومات عن الإصلاح، وتدعم الأنظمة الخبيثة، كما تدعو الخطة إلى تخفيضات عميقة في مساعدات الكوارث الدولية من خلال إنهاء البرامج في الأماكن التي تسيطر عليها جهات فاعلة متطرفة.
وفيما كان يحاول ترامب أن ينأى بنفسه عن مخطط مشروع 2025 المثير للجدل، فبعد فوزه في الانتخابات، اختار أحد مهندسيه الرئيسيين، راسل فوغت، لإدارة مكتب الإدارة والميزانية الأميركي، وهي هيئة قوية تساعد في تحديد الأولويات الرئاسية وكيفية دفع ثمنها.
كما عين السيناتور فلوريدا ماركو روبيو، وزيراً للخارجية، ولديه سجل في دعم المساعدات الخارجية.
«إن وزارة كفاءة الحكومة ستنظر في المساعدات الخارجية»، بحسب إيلون ماسك الذي عينه ترامب لقيادة وزارة كفاءة الحكومة، وهي هيئة جديدة ستفحص الهدر في الإنفاق الحكومي.
وكان ترامب في 2019 يقترح خفض ميزانية المساعدات الإنسانية بنسبة 23 في المئة، ولكن لم يتم تمرير تخفيضات المساعدات التي سعى إليها ترامب في ولايته الأولى من قبل الكونغرس.