في الوقت الذي تسعى دول منطقة حوض شرق البحر الأبيض المتوسط إلى تكثيف أعمالها لاستكشاف وتنمية حقول الغاز الطبيعي في المنطقة، تبرز مصر كأحد الحلول لتصدير الغاز المستخرج في تلك الدول، وتخطط دول المنطقة للاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي وتصديره إلى أوروبا، وستكون مصر حلاً سحرياً لتنفيذ هذه الخطط، إذ تمتلك وحدتي إسالة للغاز الطبيعي فضلاً عن شبكة خطوط متشعبة.
إذ يقول وزير البترول والثروة المعدنية المصري الأسبق أسامة كمال، إن جميع التقارير الدولية الصادرة قبل عام 2003 عن منطقة شرق المتوسط تشير إلى أن تلك المنطقة تحتوي على احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، «قد تقلب موازين سوق الغاز العالمي، ما دفع دول تلك المنطقة للإسراع في تكثيف أعمالها لاستكشاف وتنمية حقول الغاز الطبيعي في المنطقة».
وأضاف كمال، أن الاستفادة من كميات الغاز الطبيعي المستخرجة وتصديرها إلى أوروبا، تتطلب بناء بنية تحتية من خطوط ومحطات لإسالة الغاز الطبيعي إلى غاز مسال، «وهذا يستغرق مدة زمنية تتراوح بين خمس وست سنوات، بالإضافة إلى استثمارات تقدر بقيمة 10 مليارات دولار لإنشاء محطة واحدة للإسالة».
وخلال مؤتمر مصر للطاقة «إيجيبس 2025» في فبراير شباط الماضي، وقّعت مصر وقبرص وشركة إيني الإيطالية، إلى جانب توتال إنرجي، مذكرة تفاهم لتطوير واستغلال موارد الغاز في حقل كرونوس بلوك 6 القبرصي، ما يعزّز دور البلدين كمركز إقليمي للطاقة في شرق البحر المتوسط.
وقَّع الاتفاق وزير البترول والثروة المعدنية المصري كريم بدوي، ووزير الطاقة والتجارة والصناعة القبرصي جورج بابانستاسيو، والرئيس التنفيذي لشركة إيني كلاوديو ديسكالزي، بحضور الرئيسين عبد الفتاح السيسي ونيكوس خريستودوليديس.
يهدف الاتفاق إلى تطوير حقل كرونوس، المكتشف عام 2022، الذي تُقدّر احتياطاته بأكثر من 3 تريليونات قدم مكعبة من الغاز، من خلال نقل الإنتاج إلى منشآت المعالجة المصرية القائمة، وعلى رأسها حقل ظهر، ومن ثم إسالته في مصنع دمياط للغاز الطبيعي المسال لتصديره إلى الأسواق الأوروبية.
وقال وزير الطاقة والتجارة والصناعة القبرصي، جورج باباناستاسيو، في مقابلة سابقة مع CNN الاقتصادية، إنه من المتوقع أن تبلغ استثمارات استخراج الغاز من حقل كورونوس نحو مليار دولار.
وأضاف الوزير أن بلاده تتوقع بدء استخراج الغاز الطبيعي من حقل كورونوس في منتصف 2027، «على أن يتم ربط الإنتاج المستخرج من حقل كورونوس بتسهيلات حقل ظهر المصري عبر خط طوله 70 كيلومتراً».
وتهدف قبرص لإسالة الغاز المستخرج وإعادة تصديره إلى أوروبا عبر مصر، ما يساعد مصر على تحقيق خطتها للتحول إلى مركز لتجارة الغاز في حوض المتوسط، من خلال الاستفادة من محطات الإسالة التي تمتلكها، التي يمكن من خلالها استيراد الغاز المكتشف في دول شرق المتوسط من أجل تسييله وإعادة تصديره، خاصة إلى أوروبا.
وقال وزير البترول والثروة المعدنية المصري الأسبق، «مصر الدولة الوحيدة في منطقة شرق البحر المتوسط التي تمتلك مصنعين لإسالة الغاز الطبيعي يمكنها استقبال الغاز المستخرج من دول المنطقة عبر خطوطها الممتدة إلى أطراف حدودها البحرية، وإسالته تمهيداً لإعادة تصديره مرة أخرى».
وبمصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي، الأول في إدكو مملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، ويضم وحدتين للإسالة بطاقة استيعابية تصل إلى نحو 1.35 مليار قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي، والآخر في دمياط ومملوك لشركة «إيني» الإيطالية والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، وهيئة البترول، ويضم وحدة فقط بطاقةٍ تصل إلى نحو 750 مليون قدم مكعبة يومياً.
ويقول كمال، إن الحكومة المصرية أنشأت محطاتي إسالة الغاز الطبيعي بتكلفة تتراوح ما بين مليارين و3 مليارات دولار للمحطة الواحدة، «في حين إذا قررت أي دولة منتجة للغاز الطبيعي إنشاء وحدات مماثلة للمحطات المصرية سيتكلف إنشاء المحطة الواحدة نحو 10 مليارات دولار، ويستغرق بناؤها نحو 6 سنوات، ولكن ليست تلك المشكلة الوحيدة أمام الدول، إذ تتطلب عملية إنشاء المحطة دراسة جدوى تشير إلى توفر إمدادات الغاز الطبيعي للمحطة لمدة لا تقل عن 15 عاماً لضمان استمرار عمليات التشغيل، لذلك مصر تعد الحل الأمثل لتصدير غاز منطقة شرق المتوسط».
وأضاف وزير البترول والثروة المعدنية المصري الأسبق، أن مصر هي الدولة الوحيدة في منطقة شرق المتوسط، التي تمتلك لأدوات البنية الأساسية الضرورية لتصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، والتي تتمثل في شبكات نقل المنتجات البترولية السائلة، وخطوط لنقل الغاز الطبيعي، وأيضاً تسهيلات شركة سوميد لنقل النفط الخام.
بدأت مصر استيراد الغاز من إسرائيل لأول مرة في 2020، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار بين شركة نوبل إنرجي -التي استحوذت عليها شيفرون في 2020- وديليك دريلينغ، وشركة دولفينوس القابضة المصرية.
ولدى مصر خط أنابيب شرق المتوسط، وهو خط لنقل الغاز الطبيعي المصري من العريش بمصر إلى عسقلان بإسرائيل عبر البحر المتوسط بطول 100 كيلومتر، ويُستخدم حالياً لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر.