دخل علماء «مختبر لورانس ليفرمور الوطني» (Lawrence Livermore National Laboratory) التاريخ بعد نجاحهم في إنجاز تفاعل اندماج نووي أفرز زيادة صافية في الطاقة، وهو ما وصفة مسؤولون أميركيون بأنه «إنجاز تاريخي ومهم لمستقبل الطاقة النظيفة».
فيما يلي ما تحتاج لمعرفته حول هذا النوع الجديد من الطاقة النووية الذي قد يضيء منزلك يوماً ما، ويساعد في إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ما تفاعل الاندماج النووي وما أهميته؟
الاندماج النووي عملية من صنع الإنسان تحاكي طاقة الشمس.
يحصل الاندماج النووي عندما تندمج ذرتين أو أكثر في ذرة واحدة أكبر حجما، وهي عملية تولد كمية هائلة من الطاقة على شكل حرارة.
درس العلماء حول العالم الاندماج النووي على مدى عقود، على أمل محاكاة هذه العملية مع مصدر جديد يوفر طاقة غير محدودة وخالية من الكربون – دون خلق نفايات نووية مثل تلك الناتجة عن المفاعلات النووية الحالية. تستخدم مشاريع الاندماج بشكل أساسي عنصري الديوتيريوم والتريتيوم – وكلاهما من نظائر الهيدروجين.
وبإمكان كمية الديوتيريوم في كوب من الماء، مع إضافة القليل من التريتيوم، تزويد منزل بالطاقة لمدة عام. والتريتيوم أكثر ندرة وأكثر صعوبة في الحصول عليه من الديوتيريوم، لكن من الممكن إنتاجه صناعياً.
وقال جوليو فريدمان، كبير العلماء في شركة «كاربون دايركت» (Carbon Direct) وكبير تقنيي الطاقة السابق في «مختبر لورانس ليفرمور الوطني» (Lawrence Livermore) لشبكة سي إن إن (CNN): «على عكس الفحم، نحتاج فقط إلى كمية صغيرة من الهيدروجين، وهو من أكثر المواد الكيميائية وفرة. الهيدروجين موجود في الماء، لذا فإن المادة التي تولد هذه الطاقة لا حدود لها إلى حد كبير وهي نظيفة».
كيف يختلف الاندماج عن الانشطار النووي؟
الاندماج هو جمع ذرتين أو أكثر معاً، أما الانشطار فعكس ذلك. الانشطار عبارة عن عملية تقسيم ذرة كبيرة إلى ذرتين أو أكثر أصغر حجما، وينتج عنه نوع الطاقة الذي يُشغل المفاعلات النووية حول العالم حاليا. ومثل الاندماج، تُستخدم الحرارة الناتجة عن انقسام الذرات أيضًا لتوليد الطاقة.
إن الطاقة النووية هي مصدر طاقة خالٍ من الانبعاثات، وفقاً لوزارة الطاقة الأميركية. لكنها تنتج نفايات مشعة متطايرة يتعين تخزينها بأمان نظرا لمخاطرها. وعلى الرغم من ندرتها، تسببت الحوادث النووية عبر التاريخ في عواقب واسعة النطاق ومميتة، مثل ما حدث مع مفاعلي فوكوشيما (في اليابان) وتشرنوبيل (في أوكرانيا).
في المقابل، فإن أخطار الاندماج النووي أقل مقارنة بالانشطار النووي، فضلاً عن أن المواد المستخدمة فيه عمرها النصفي أقل بكثير من تلك المستعملة في عملية الانشطار.
لكن كيف يمكن لطاقة الاندماج النووي أن تضيء منزلك في نهاية المطاف؟
ينتج عن اندماج ذرتين كمية هائلة من الحرارة.. يمكن استخدام هذه الحرارة لتسخين المياه وتوليد البخار وتشغيل التوربينات لتوليد الطاقة – تمامًا مثل توليد الطاقة من الانشطار النووي.
أحد أكبر تحديات الاندماج النووي يتمثل في الحفاظ على الطاقة الناتجة عنه لفترة كافية لتشغيل شبكات الكهرباء وأنظمة التدفئة حول العالم. ومن هنا يعد الإنجاز الأميركي مهمًا، لكنه ما زال على نطاق أصغر بكثير مما هو مطلوب لتوليد طاقة كافية لتشغيل محطة طاقة واحدة، ناهيك عن عشرات الآلاف من المحطات.
لماذا يعتبر إعلان وزارة الطاقة حول تفاعل الاندماج النووي مهمًا؟
هذه هي المرة الأولى التي ينجح فيها العلماء في القيام باندماج نووي ينتج عنه زيادة صافية في الطاقة، بدلاً من الوصول فقط إلى نقطة التعادل كما في التجارب السابقة. وعلى الرغم من الخطوات العديدة الباقية أمام هذه العملية لتصبح قابلة للتطبيق على نطاق تجاري، فمن الضروري للعلماء إثبات قدرتهم على إنتاج طاقة أكبر من الكمية التي استعملوها خلال هذه العملية ليصبح تطوير تفاعل الاندماج النووي عمليًا.
أين يحدث الاندماج النووي؟
يوجد العديد من مشاريع الاندماج في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا. وتُعد فرنسا موطناً للمفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي، الذي تتعاون فيه 35 دولة – بما في ذلك أعضاء رئيسيون كالصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية.
ما الخطوات التالية؟
يحتاج العلماء والخبراء حاليا إلى التوصل لطريقة لإنتاج المزيد من الطاقة من الاندماج النووي على نطاق أوسع بكثير.
وفي الوقت نفسه، يحتاجون إلى التوصل لسبل لتخفيض تكلفة الاندماج النووي كي يتمكنوا من استخدامه على نطاق تجاري.
وقال المدير المشارك لدى «مركز دراسات الاندماج بالقصور الذاتي» بجامعة إمبريال كوليدج في لندن جيريمي شيتيندين،: «في الوقت الحالي، ننفق قدراً هائلاً من الوقت والمال على كل تجربة نقوم بها. نحن بحاجة إلى خفض التكلفة بشكل كبير».
سيحتاج العلماء أيضاً إلى نقل الطاقة الناتجة عن الاندماج إلى شبكة الطاقة على شكل كهرباء. قد يستغرق الأمر سنوات – أو عقودًا – قبل أن يتيح الاندماج النووي إنتاج كميات غير محدودة من الطاقة النظيفة، بينما العلماء في سباق مع الزمن لمكافحة تغير المناخ.
وقال فريدمان: «هذه العملية لن تساهم بشكل ملحوظ في الحفاظ على المناخ خلال العشرين إلى الثلاثين سنة القادمة. إنه الفرق بين إشعال عود ثقاب وبناء توربين غازي».