يلجأ تجار الغاز الأوروبيون إلى الخزانات الأوكرانية لتخزين احتياجات دول الاتحاد الأوروبي من الغاز خلال فصل الشتاء، ولكن هذا العام تعرضت الخزانات الأوكرانية لعدة هجمات من قِبل روسيا منذ مارس آذار الماضي، ما دفع التجار إلى تقليل اعتمادهم على تلك الخزانات.

ويقول محللون لـCNN الاقتصادية، إن القارة العجوز نجحت في ملء خزاناتها بالغاز الطبيعي بنسبة وصلت إلى 90 في المئة، وهو ما أدى إلى أن مساحة التخزين الأوكرانية أصبحت غير بالغة الأهمية لأمن الإمدادات الأوروبية الآن، في ظل ارتفاع مخاطر عمليات التخزين بسبب الهجمات الروسية على مرافق الغاز في أوكرانيا.

ويقول أندرياس شرودر، رئيس تحليلات الطاقة في مؤسسة إندبندنت كوموديتي إنتليجنس سيرفيسز ICIS، لـCNN الاقتصادية، إن دول الاتحاد الأوروبي قد قللت من اعتمادها على أوكرانيا في السنوات الأخيرة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، حيث كانت إمدادات الغاز عبر أوكرانيا تصل إلى نحو 100 مليار متر مكعب سنوياً حتى عام 2019، «لكن اليوم لا يتدفق حتى 15 مليار متر مكعب سنوياً عبر العبور من أوكرانيا».

وأضاف شرودر، أن دولاً مثل النمسا وسلوفاكيا وإيطاليا ستتجه نحو الغاز الطبيعي المسال، «لذا من المتوقع بعض واردات الغاز الطبيعي المسال الإضافية إلى أوروبا في حدود 10-15 مليار متر مكعب سنوياً، وهذا مقدار يمكن إدارته، نظراً لأن أوروبا لديها الكثير من القدرة على إعادة التغويز ونظراً لأن عوائد الغاز الطبيعي المسال الحالية ليست مرتفعة للغاية، لذا فهناك قدرة احتياطية على تخزين كميات إضافية من الغاز».

وفقاً لبيانات شركة Gas Infrastructure Europe (GIE)، بلغ ضخ الغاز في مرافق تخزين الغاز تحت الأرض في أوروبا 301 مليون متر مكعب في 12 أغسطس آب، كما بلغ إجمالي إمدادات الغاز الطبيعي المسال من المحطات إلى نظام نقل الغاز في أوروبا في يوليو أدنى مستوى منذ نوفمبر 2021.

وتقول كاتيا يافيمافا، الباحثة في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إن أوروبا لا يزال لديها بعض المساحة في مخازنها الخاصة «لذلك فإن مساحة التخزين الأوكرانية -على الرغم من فائدتها- ليست بالغة الأهمية لأمن الإمدادات الأوروبية الآن».

وتضيف يافيمافا، أن استخدم التجار الأوروبيون الخزانات الأوكرانية في الماضي «حيث كانت هناك هوامش ربح كبيرة يمكن تحقيقها قد تبخرت الآن، ومع اكتمال مخازن أوروبا بالغاز فمن المرجح أن تزداد حاجتها إلى الغاز الطبيعي المسال في وقت لاحق من العام كمصدر آخر متاح».

وعانت أوروبا خلال عام 2022 أزمة حادة في الطاقة بسبب توقف إمدادات الغاز من روسيا في أعقاب الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى تلف خطي «نورد ستريم» لنقل الغاز الروسي، وهو ما دفعها خلال العام الماضي إلى تخزين كميات كبيرة من الغاز الطبيعي لتلبية الطلب المتزايد على الغاز خلال فصل الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة.

ويقول رونالد بينتو، محلل سوق الغاز الطبيعي والغاز المسال لدى كبلر، لـCNN الاقتصادية، إن تجار الغاز الأوربيون أرسلوا الغاز الطبيعي في عام 2023 إلى أوكرانيا عبر بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا، حيث كان جزء من الحوافز المقدمة لهم هو نظام المستودعات المعفى من الجمارك الذي وضعته أوكرانيا لمدة ثلاث سنوات، «إلا أنه يبدو أن هجمات مارس 2024 التي شنتها روسيا في غرب أوكرانيا، حيث يوجد نحو 85 في المئة من مرافق التخزين، أقنعت بعض التجار في السوق بأن متابعة استراتيجية العام الماضي قد تكون مكلفة للغاية».

وأضاف بينتو، «قد يفكر التجار الآن أيضاً في عدم وجود إلحاح في تخزين المزيد من الغاز في أوكرانيا حيث لا يزال الطلب الإجمالي على الغاز في الاتحاد الأوروبي منخفضاً، ومع استمرار توقعات الطلب على الغاز في دول وسط وشرق أوروبا في التباطؤ مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة، فهناك سبب للاعتقاد بأن مخاطر تخزين المزيد من الغاز في أوكرانيا هذا العام تفوق مخاطر احتياجات الطلب الأعلى في الأمد القريب».

ووفقاً لبيانات كبلر، ظل الطلب على الغاز خلال النصف الأول من عام 2024 أقل بكثير على أساس سنوي في سلوفاكيا بنسبة 5.2 في المئة، والنمسا بنسبة 7.8 في المئة، والمجر بنسبة 6.2 في المئة، بينما ارتفع الطلب على الغاز في بولندا بنسبة 5 في المئة على أساس سنوي.

ويتوقع محلل سوق الغاز الطبيعي والغاز المسال لدى كبلر، أن تستمر كميات الغاز في أوكرانيا في الارتفاع في الأشهر المقبلة، ولكن بمعدل أبطأ مقارنة بعام 2023، حيث يواصل التجار في السوق تقييم تطور الأحداث المرتبطة بالحرب والتوقعات القصيرة الأجل للطلب على الغاز.

وبحسب بينتو، فإن أوروبا تتمتع حتى الآن بوضع جيد قبل موسم الشتاء حيث تقترب مخزونات الغاز في الاتحاد الأوروبي من الوصول إلى 90%، قبل الموعد المحدد، والطلب على الغاز في الاتحاد الأوروبي حتى الآن أقل على أساس سنوي، «ومع ذلك، تظل المخاطر الصاعدة قائمة في عام 2025 مع توقف تدفقات الغاز الروسي عبر أوكرانيا وفي حالة الشتاء البارد جداً».