تعيش منطقة الشرق الأوسط حالة من الفوضى، ومع ذلك تظل سوق النفط هادئة إلى حد ملحوظ إزاء هذه الفوضى، مقارنة بتفاعلها مع أحداث وحروب مشابهة في السنوات القليلة الماضية، ما يثير تساؤلاً بشأن احتمالية مشاهدة ارتفاعات حادة لأسعار النفط قريباً.
وحتى الآن يظل المستثمرون في حالة ترقب حذر، فبعد أن مروا بعدد من المخاوف الجيوسياسية السابقة التي تلاشت بسرعة، هذه المرة ينتظرون أدلة على انقطاع الإمدادات النفطية بشكل فعلي قبل المزايدة على سعر النفط الخام.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أنه لا يزال هناك خطر حقيقي من أن تؤدي الحرب الإقليمية الناشئة في الشرق الأوسط إلى ارتفاع مدمر في أسعار النفط، وهو ما لا يهز الاقتصاد العالمي فحسب، بل ربما الانتخابات الرئاسية الأميركية أيضاً.
وقال رئيس شركة رابيديان إنرجي غروب الاستشارية، بوب ماكنالي «من الصعب المبالغة في تقدير مدى الرضا الذي وصلت إليه أسواق النفط».
الأسواق هادئة على غير العادة
ارتفعت أسعار النفط بنسبة 4.5 في المئة فقط يوم الثلاثاء بعد أن أطلقت إيران مئات الصواريخ على إسرائيل، وارتفعت الأسعار بشكل طفيف يوم الأربعاء حتى مع تعهد إسرائيل بالرد.
ولم يكن رد فعل الأسواق أقوى إلا يوم الخميس، عندما ترك الرئيس جو بايدن الباب مفتوحاً أمام إسرائيل لضرب احتياطيات النفط الإيرانية، وارتفع سعر خام برنت بنسبة خمسة في المئة تقريباً ليصل إلى 77.65 دولار للبرميل.
ومع ذلك، تظل أسعار النفط الأميركية قرب أدنى مستوياتها لعام 2024، مقارنة بأعلى مستوياتها في الخريف الماضي عند 90 دولاراً تقريباً.
ويسلط رد الفعل الضعيف الضوء على المخاوف المستمرة بشأن وفرة المعروض النفطي، والمشكلات الاقتصادية في الصين، وترقب زيادات الإنتاج من مجموعة أوبك بلس.
وقالت الرئيسة العالمية لاستراتيجية السلع الأساسية لدى آر بي سي كابيتال ماركتس، هيليما كروفت لشبكة CNN في مقابلة عبر الهاتف «كان من شأن الأوضاع المشابهة أن تقفز بالأسعار إلى ما فوق 100 دولار قبل ثورة ما قبل النفط الصخري منذ عقدين من الزمن».
وحتى قبل عامين فقط، ارتفعت أسعار النفط إلى 130 دولاراً للبرميل في مارس 2022 بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ومع ذلك، فإن تلك الحرب لم تتسبب قط في حدوث انقطاع كبير في الإمدادات، وهو ما كان يخشاه كثيرون، وعادت أسعار النفط في نهاية المطاف إلى الهبوط.
النفط الإيراني.. نقطة فارقة
يقول المدير الإداري لشركة كلير فيو إنرجي بارتنرز، كيفن بوك لشبكة CNN، إنه يعتقد أن سوق النفط لا يقدر المخاطر في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، وبخاصة في حالة تصاعد الصراع بين إسرائيل و إيران.
وبحسب كلير فيو، إذا ضربت إسرائيل منشآت الطاقة الإيرانية، فمن المرجح أن ترتفع أسعار النفط العالمية من نحو 74 دولاراً للبرميل الآن إلى 86 دولاراً للبرميل، مشيرة إلى أنه رغم العقوبات المفروضة ضد إيران بسبب برنامجها النووي، فإنها ما زالت قادرة على بيع نفطها في السوق العالمية، وأغلبه إلى الصين.
وأحد المخاطر هو تعرض منشأة التصدير الرئيسية الإيرانية في جزيرة خرج للهجوم، وقد يكون لذلك تأثير كبير لأنه يمثل 90 في المئة من صادرات النفط الإيرانية، وفقاً لشركة كلير فيو، فيما يبلغ إجمالي صادرات النفط الإيرانية 1.8 مليون برميل يومياً في أغسطس، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
مضيق هرمز.. خطر إضافي
من الناحية النظرية، يمكن للمملكة العربية السعودية ومنظمة أوبك تعويض خسارة الإمدادات النفطية من إيران، على الرغم من أن الأمر سيستغرق بعض الوقت للقيام بذلك.
ومن الممكن أيضاً أن تستجيب إدارة بايدن للانقطاع عن طريق إطلاق مخزونات الطوارئ من احتياطي النفط الاستراتيجي، إذ استنزف بايدن النفط بقوة من الاحتياطي الاستراتيجي بعد غزو روسيا لأوكرانيا، لكنه يظل أكبر مصدر لنفط الطوارئ في العالم.
ولكن الخطر الأكبر هو أن تقوم إيران بالانتقام من خلال تعطيل تدفق النفط من مضيق هرمز، وهو ممر النفط الأكثر أهمية على هذا الكوكب، وهو الطريق الوحيد لإيصال النفط من الخليج العربي إلى محيطات العالم.
وقد يؤدي أي اضطراب في مضيق هرمز إلى ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل، وفقاً لشركة كلير فيو، كما كتب محللو سيتي غروب في مذكرة للعملاء يوم الأربعاء أن «أي إغلاق لمضيق هرمز سيمثل نقطة تحول لسوق النفط العالمية والاقتصاد العالمي».
وجاء في المذكرة «في مثل هذا السيناريو، سيكون مصير أسواق النفط العالمية مجهولاً، ومن المرجح أن تشهد أسعار النفط ارتفاعاً حاداً يتجاوز بكثير الارتفاعات القياسية السابقة».
ومع ذلك أكد سيتي أن مثل هذا الحدث غير مرجح وأن ارتفاع الأسعار سيكون مؤقتاً مع تكيف السوق.
(مات إيغان، CNN)