لعبت حمامات السباحة العامة دوراً مهماً في الثقافة الأميركية خلال القرن الماضي، لكن مع تفاقم تغير المناخ و ارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية، أصبح دورها بالغ الأهمية لضمان الصحة العامة، تزامناً مع تلك الأزمات.
درجات الحرارة العالية هي السبب الأول لحالات الوفاة بين الأميركيين أكثر من أي كارثة أخرى متعلقة بالطقس، وفقاً لبيانات خدمة الطقس الوطنية الأميركية.
ولكن مع تزايد أهمية حمامات السباحة العامة أكثر من أي وقت مضى، فإنها تختفي عن الأنظار.
أصبح من الصعب العثور على حمامات السباحة للأفراد الذين يفتقرون إلى حمام سباحة خاص بهم في الفناء الخلفي، أو لا يستطيعون تحمُّل تكلفة الاشتراك في نادٍ، فقد أدت خصخصة حمامات السباحة وندرة تخصيص ميزانيات الترفيه العامة وإلغاء الفصل العنصري لمرتادي تلك المسابح إلى تراجع عدد الأماكن العامة للسباحة في العديد من المدن.
السباحة تدعم الصحة العقلية
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان في لويزفيل 10 حمامات سباحة عامة لعدد سكان يبلغ نحو 550 ألف شخص.
اليوم، تحتوي المدينة على خمسة حمامات سباحة عامة لعدد سكان يبلغ نحو 640 ألف شخص، لتحتل المرتبة 89 بين أكبر مئة مدينة في عدد حمامات السباحة لكل شخص، وفقاً لمنظمة «تراست أوف بابليك لاند».
«ألغونكوين» هو المسبح الوحيد المتبقي في غرب لويزفيل، ويقول السكان إن المدينة أهملت الصيانة والتحسينات الأساسية به لسنوات.
هذا الصيف، مع ارتفاع درجات الحرارة في لويزفيل، أغلق «ألغونكوين» للإصلاحات، تاركاً نحو 60 ألف شخص، معظمهم من الأُسر ذات الدخل المتوسط أو المنخفض دون حق الوصول بسهولة إلى المسابح.
ولذلك، لن يحصل البعض على فرصة لتعلم كيفية السباحة، ولا الحصول على مزيد من الراحة في الماء، ولا فرصة لبناء مهارات منقذة للحياة، لن يكون للأطفال والمراهقين مكان رئيسي للتجمع واللعب خلال أشهر الصيف عندما تكون المدارس في عطلة، ولا يمكن لكبار السن المشاركة في دروس اللياقة البدنية التي تُقام خلال فصل الصيف لمساعدتهم على البقاء نشطين.
حقوق السباحة متفاوتة في أميركا
لطالما كان الوصول إلى حمامات السباحة محل نزاع شديد في أميركا.
إذ بنت البلدية حمامات السباحة في النصف الأول من القرن العشرين، وكان إلغاء الفصل العنصري لمرتادي المسابح هدفاً رئيسياً لحركات الحقوق المدنية، ولكن بسبب أزمات التمويل، أهملت العديد من الحكومات المحلية حمامات السباحة العامة.
قال المؤرخ في جامعة فيرجينيا أندرو كارل، «لقد رأينا التآكل الكامل للجانب العام من هذه المعادلة».
يوجد مسبح عام واحد لكل 38 ألف شخص في أميركا من نحو 34 ألفاً في عام 2015، وفقاً للجمعية الوطنية للمتنزهات والترفيه.
ووفقاً لدراسة أُجريت عام 2018، فإن نحو 79 في المئة من الأطفال في الأُسر التي يقلُّ دخلها عن 50 ألف دولار لا يجيدون أو لديهم قدرة منخفضة على السباحة، ووجدت الدراسة أن 64 في المئة من الأطفال السود و45 في المئة من الأطفال من أصل إسباني و40 في المئة من الأطفال البيض لا يجيدون أو لديهم قدرة منخفضة على السباحة.
تاريخ حمامات السباحة الأميركية
في عهد الرئيس الأميركي فرانلكين روزفلت، شهد الأميركيون أكبر موجة لبناء حمامات السباحة العامة في التاريخ، ضمن برنامجه للإصلاح الاقتصادي الذي أطلق عليه لقب “الصفقة الجديدة”، إذ قامت الحكومة الفيدرالية ببناء ما يقرب من 750 مسبحاً، وأُعيد إصلاح المئات بين عامَي 1933 و1938.
ووجد استطلاع رأي عام 1933، يستهدف الأنشطة الترفيهية للأميركيين، أن العديد من الأشخاص يسبحون بشكل متكرر، كما يذهبون إلى مشاهدة الأفلام.
العنف العنصري في حمامات السباحة أدى إلى هجرها
قبل عام 1920، تم فصل حمامات السباحة في الشمال على أساس الجنس، ولكن ليس على أساس عنصري.
الصور النمطية العنصرية حول النظافة والسلامة، وكذلك المخاوف الشديدة من تفاعل الرجال أصحاب البشرة السمراء مع النساء البيض وهم مرتدين ملابس السباحة، حولت حمامات السباحة إلى أحد أكثر الأماكن العامة انقساماً في أميركا، حسب المؤرخة في جامعة بافالو ومؤلفة كتاب «النضال من أجل الترفيه المنفصل في أميركا»، فيكتوريا وولكوت.
في أواخر الأربعينيات، كانت هناك أعمال شغب كبيرة في حمامات السباحة بسبب الاندماج في سانت لويس، وبالتيمور وواشنطن العاصمة ولوس أنجلوس، أما في سينسيناتي، ألقى البيض المسامير والزجاج في حمامات السباحة، وفي سانت أوغسطين في فلوريدا، سكبوا الحمض في الماء لمنع السباحين ذوي البشرة السوداء.
في رسالة مارتن لوثر كينغ جونيور عام 1963 من سجن برمنغهام، وصف الدموع في عينَي ابنته عندما قيل لها «أن مسبح فونتاون مغلق أمام الأطفال الملونين».
لكن نجاح حركة الحقوق المدنية التي تدمج التجمعات العرقية تزامنَ مع زيادة حمامات السباحة الخاصة ونوادي السباحة.
فغادرت الملايين من العائلات البيضاء من الطبقة المتوسطة المدن إلى الضواحي، وبنت حمامات سباحة في ساحاتها الخلفية الجديدة خلال تلك الحقبة.
ومن عام 1950 إلى عام 1962، افتُتح 22 ألف نادي سباحة خاص، معظمها في الضواحي التي يسكنها ذوو البشرة البيضاء.
كما أدى تطوير مجتمعات سكنية خاصة مسورة وجمعيات لملاك المنازل في الضواحي إلى خصخصة الترفيه، وشكلت كل مدينة نظامها الضريبي الخاص بها، وانفصلت الحكومات المحلية بخدماتها ووسائل الترفيه الخاصة بها.
ومع انسحاب البيض من حمامات السباحة العامة والحدائق العامة، تضاءل تمويل ودعم دافعي الضرائب لحمامات السباحة العامة، ففي كليفلاند على سبيل المثال، خفضت ميزانية الترفيه في المدينة بنسبة 80 في المئة.
وقال كارل إن عدم الاستثمار في الترفيه العام ازداد بعد الثورات الضريبية في أواخر السبعينيات، ففي عام 1978، مرر ناخبو كاليفورنيا الاقتراح 13، الذي خفض معدلات ضريبة الأملاك المحلية، وجعل من الصعب على الولاية تمويل الترفيه العام.
عندما أغلقت المدن حمامات السباحة العامة وتوقفت عن الحفاظ على حمامات السباحة الموجودة، ملأت نوادي السباحة الخاصة تلك الفجوة، لأولئك الذين يمكنهم الوصول إليها، وتكاثرت حمامات السباحة الخاصة في الفناء الخلفي.
(ناثانيل مايرزون – CNN)