من ملعب كرة السلة إلى ساحة الأعمال، قطع محمد شلباية رحلة طويلة ليصبح أحد أبرز القادة التنفيذيين في قطاع الأغذية والمشروبات في المنطقة العربية.
فعلى مدار أكثر من ثلاثين عاماً قضاها في شركة بيبسيكو، شغل 15 منصباً مختلفاً، بدءاً من التسويق إلى الاستراتيجيات، ليصبح اليوم الرئيس التنفيذي للمشروبات لدى شركة بيبسيكو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
بيبسيكو هي واحدة من أكبر شركات الأغذية والمشروبات في العالم، وفي 2024 وصلت إيراداتها إلى أكثر من 91 مليار دولار.
وتضم محفظتها علامات مثل بيبسي وليز ودوريتوز، وتعمل في أكثر من 200 دولة كما يعمل بها أكثر من 320 ألف موظف عالمياً.
وتظل المنطقة العربية سوقاً مهماً بالنسبة للشركة العالمية، وهو سوق يشغل فيه شلباية منصباً أساسياً في إدارة المشروبات. وبالنسبة لشلباية، سر الوصول إلى هذا المنصب هو العمل بروح الفريق، والابتكار.
فلسفة الإدارة: القيادة من الخط الأمامي
يتبنى شلباية نهج "الباب المفتوح"، ومنذ انضمامه إلى بيبسيكو في عام 1994 قال شلباية إنه كُلف بمهمات صعبة، وهي التي كان لها دور كبير في نجاحه اليوم.
وأضاف شلباية، "أعتقد الإنسان بيقاس بالمهمات الصعبة.. حظي حلو إني خدت شغلانة صعبة.. ساعتها كنت بندب حظي لكن لما تيجي دلوقتي.. أقول إن أحسن حاجة حصلتلي أن اتحطيت في الأوقات الصعبة دي في الشغلانة الصعبة دي".
وقال، "كنت باقعد في المصنع، وابتديت أنزل مع مندوبين البيع أركب العربيات وألف معاهم، ومع العمال في المصنع وأقعد مع المحاسبين ومع بتوع المشتريات.. فقدرت اطلع من الشغلانة دي بمعرفة عن البيزنس وازاي يدار".
وفي طريقة إدارته، يرفض شلباية فكرة التراتبية والرهبة الإدارية، مؤمناً بأن القائد الفعلي هو من يُشعر من حوله بالأمان والانتماء:
"أنا بابي مفتوح، بحب ابقى مع الناس لغاية النهارده ..أنا، اللي تحتي وأنا واحد، فالموظف بيحس بالأمان... وده بيخلق بهجة في العمل".
مرت شركة بيبسيكو في المنطقة بتحديات عدة، منها التطورات الجيوسياسية التي أدت إلى حملات مقاطعة، وقبل ذلك تعويم العملة في مصر وهي من أكبر الأسواق بالنسبة لبيبسيكو في المنطقة، والثورة المصرية في عامي 2011 و2013.
وفي ما يتعلق بالتعامل مع هذه الأزمات، قال شلباية، "هو في تغيرات كثيرة في النمط الاستهلاكي بتاع المستهلك واحنا شايفينها في الفترة الأخيرة وشركات كتيرة شايفينها.. وبالتالي منتجات محلية بدأت تنزل السوق وده شيء صحي جداً.. هي حاجة صحية للاقتصاد، وحاجة صحية لشركة زينا ان احنا نبتدي نغير الطرق بتاعتنا".
وأضاف، "أنا لازم أغير الفكر بتاعي لو أنا عاوز أنافس، لازم ابقى سريع. لازم اسمع كويس قوي المستهلك عايز ايه. وخصوصاً الفئة الشبابية".
وفي ما يتعلق بالقلق من التنافس القوي في سوق الأغذية مع اتجاه عدد كبير من المستهلكين للمنتجات المحلية، قال شلباية، "احنا بقالنا 70 سنة في المنطقة في فوق وتحت زي اي بيزنس وكل بيزنس بيتعرض للتحديات. الشاطر اللي يغير طريقته وطريقة لعبه وطريقة أسلوبه عشان يتخطى دي فممكن يبقى ساعات انت فوق وساعات في سنين تحت وهو دي سر نجاح بيبسي أو الشركات الكبيرة. اي شركة هتفضل أكتر من 70 سنة لازم الابتكار جزء أساسي في استراتيجيتها".
وقال شلباية إن من أبرز المحطات التي مرت بها بيبسيكو في المنطقة كانت فترة الثورة المصرية، حيث أُوكل إلى شلباية إدارة شركة شيبسي وسط حالة من الفوضى الأمنية.. وبدلاً من التراجع، نزل مع الفريق إلى خطوط الدفاع.
"المصانع ما وقفتش ولا يوم... الناس نزلت تحمي بالليل وتبيع الصبح... ونجحنا".
وفي أزمة تعويم الجنيه، قال: "فيه أزمات لها كتالوج، وفيه أزمات مالهاش كتالوج... الثورة مالهاش كتالوج.. التعويم ملوش كتالوج".
حدث تعويم الجنيه المصري لأول مرة بشكل رسمي في نوفمبر 2016، عندما قرر البنك المركزي تحرير سعر صرف العملة بشكل كامل مقابل الدولار، ما أدى إلى انخفاض قيمتها إلى النصف تقريباً خلال أيام.
لاحقاً، جرى تعويم إضافي في مارس 2022، ثم سلسلة من التخفيضات الحادة في 2023، وصولاً إلى تعويم فعلي آخر في مارس 2024 بعد توقيع مصر اتفاقاً جديداً مع صندوق النقد الدولي.
كان لهذه الخطوات تأثير مباشر وعميق على الشركات العاملة في السوق المصري، إذ أدى انخفاض قيمة العملة إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد وضغط على سلاسل التوريد ضمن تأثيرات أخرى.
أحد المحاور الرئيسية في استراتيجية شلباية هو الابتكار والتكنولوجيا، إذ أدخل أنظمة رقمية متقدمة لمراقبة عمليات البيع والتوزيع، معتبراً ذلك استثماراً لا مفر منه:
"أنا راجل مستثمر.. التكلفة في محلها والعائد هييجي أكتر بكتير من التكلفة في السنوات القادمة".
كما أكد أهمية البحث والتطوير لفهم المستهلك بشكل أعمق:
"كل اللي يعرف المستهلك أكتر هو الأقرب للنجاح".
رغم الأزمات المتكررة، استطاعت الشركة الحفاظ على أداء قوي في المنطقة، وفقاً لشلباية، السوق المصري يظل واعداً رغم التحديات: "السوق المصري كبير، فيه فرص، لكنه صعب... محتاج رؤية وتطبيق".
في ما يخص حجم الاستهلاك، أوضح أن السعودية تتصدر من حيث الاستهلاك الفردي، بينما تظل مصر الأكبر من حيث الحجم الكلي لوجود 120 مليون نسمة في الدولة.
وقال، "السعودية الأعلى من حيث عدد اللترات للفرد، لكن مصر بحجمها السكاني رقم واحد".
من بين المبادرات المجتمعية التي أشار إليها شلباية، كانت مبادرة "دوري بيبسي للمدارس" واحدة من أبرز المشاريع، والتي كانت وراء اكتشاف نجم الكرة المصري محمد صلاح.
وقال شلباية، "في السنة الثانية من الدوري، اكتشفنا محمد صلاح.. وكان عنده وقتها 12 سنة".
هذه المبادرة كانت بداية اكتشاف نجم الكرة الذي أصبح اليوم لاعباً أساسياً في نادي الكرة البريطاني ليفربول.
ولم تقف المبادرات عند الرياضة، بل امتدت إلى تمكين المرأة والزراعة، كما في مبادرة "عايشين بخيرها" التي دعمت فلاحات مصريات:
"الفلاحات اللي بنشتري منهم البطاطس بيقولوا بفخر: البطاطس بتاعتنا جوه كيس شيبسي".
بين الحنكة في الأزمات والرؤية الابتكارية يبرهن شلباية على أن النجاح في قطاع تنافسي مثل الأغذية والمشروبات لا يأتي فقط من الخطط، بل من روح الفريق، والقدرة على الاستماع، والتحرك السريع.
"النجاح مش فردي، النجاح جماعي.. وسر نجاحي هو الفريق".