أسهمت القرارات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، خاصة فرض الرسوم الجمركية الجديدة على كندا والمكسيك والصين، في إحداث اضطرابات كبيرة في أسواق العملات الرقمية، هذه الإجراءات زادت التوتر الاقتصادي العالمي؛ ما تسبب في موجة بيع واسعة وخسائر ضخمة للمستثمرين في السوق الرقمية.
وشهدت أسواق العملات الرقمية العالمية تقلبات حادة خلال الساعات الـ24 الماضية، ما زاد من الضغوط على المستثمرين الذين لم يتعافوا بعد من تداعيات أزمة منصة الذكاء الاصطناعي الصينية ديب سيكDeepSeek، وقرار بنك اليابان برفع أسعار الفائدة الأسبوع الماضي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
تأثير الرسوم الجمركية
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
فرض ترامب حالة طوارئ وطنية بموجب قانون «السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية لعام 1977»، ما أتاح له فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات المكسيك وكندا، و10% على الواردات الصينية.
وفاقم قرار ترامب توترات الأسواق؛ إذ انعكس هذا القرار سلباً على أسواق الأسهم والعملات الرقمية، حيث فقدت السوق الرقمية أكثر من 140 مليار دولار في أقل من 24 ساعة، متراجعة من 3.49 تريليون دولار إلى 3.35 تريليون دولار.
كما تراجع مؤشر «الخوف والجشع» في سوق العملات الرقمية من مستوى «الجشع» إلى «المحايد» عند 47 نقطة، ما يعكس تزايد القلق بين المستثمرين.
أدى هذا القرار إلى تصاعد المخاوف من اندلاع حرب تجارية قد تؤثر على الاقتصاد العالمي وترفع الأسعار على المستهلكين الأميركيين.
بيانات التضخم
بالتزامن مع ذلك، أظهرت بيانات التضخم الأميركية لشهر فبراير ارتفاعاً مستمراً في الأسعار للشهر الثالث على التوالي، كما تراجعت المؤشرات الأميركية الرئيسية مع نهاية الأسبوع.
وحذَّر خبراء اقتصاديون من أن فرض رسوم جمركية غير مدروسة على شركاء تجاريين رئيسيين قد يؤدي إلى تفاقم التضخم، وزيادة تكلفة المعيشة، وارتفاع معدلات البطالة، خاصة مع استعداد كندا والمكسيك والصين لاتخاذ إجراءات انتقامية.
«وعندما يرتفع التضخم، يعمد البنك المركزي عادة إلى زيادة أسعار الفائدة للحد من التضخم، أو على الأقل إبقائها مرتفعة لفترة أطول، وهذا يؤدي إلى زيادة العوائد على الأصول المالية المقومة بالدولار، مثل السندات، وبالتالي، يرتفع الطلب على الدولار ويزداد سعره مقابل العملات الأخرى، في المقابل، قد تعاني سوق العملات الرقمية من انخفاض في قيمته، حيث يبحث المستثمرون عن أصول أكثر أماناً؛ ما يؤدي إلى تراجع الطلب على العملات المشفرة».
باختصار، زيادة الفائدة من قِبل البنك المركزي كإجراء لمكافحة التضخم تؤثر إيجاباً على الدولار، وتضرُّ بالعملات الرقمية التي تُعتبر أكثر تقلباً.
تراجع واسع في أسعار العملات الرقمية
شهدت أسعار العملات الرقمية انخفاضات حادة، حيث فقدت البيتكوين 3.22% من قيمتها متراجعة إلى ما دون الـ100 ألف دولار إلى 97300 دولار بالتعاملات المسائية (حتى وقت كتابة التقرير)، كما هبطت الإيثيريوم بنسبة 4.50% لتسجل 2976 دولاراً.
وامتدت موجة التراجع إلى غالبية العملات الرقمية الأخرى، إذ انخفضت ريبل (XRP) بأكثر من 10% وسولانا بنحو 7.12%، ودوج كوين بنسبة 11.6%.
كما تراجعت عملة الميم «Trump» بأكثر من 11%، ليصل إجمالي خسائرها إلى 31.3% خلال الأسبوع الماضي، متراجعة إلى 21 دولاراً بعد أن بلغت ذروتها عند 77 دولاراً في 19 يناير الماضي.
ووفقاً لبيانات CryptoQuant، انخفضت المعاملات على شبكة البيتكوين إلى أدنى مستوى لها منذ 11 شهراً، ويستمر هذا الانخفاض في النشاط الذي بدأ في العام الماضي، عندما وصل حجم المعاملات اليومية إلى ذروته عند 810,850 معاملة في 19 نوفمبر تشرين الثاني، ورصد رئيس قسم البحث في CryptoQuant، جوليان مورينو، هذا الانخفاض، مشيراً إلى أن نشاط البيتكوين هو الأدنى منذ مارس آذار.
تصفيات ضخمة في سوق العملات الرقمية
وشهدت أسواق العملات الرقمية عمليات تصفية ضخمة تجاوزت 700 مليون دولار خلال الـ24 ساعة الماضية، وفقاً لبيانات منصة Coinglass، وشملت هذه التصفيات أكثر من 250 ألف متداول، وكانت أكبر عملية تصفية فردية تتعلق بعقود ETHUSDT بقيمة 11.84 مليون دولار على منصة Binance.
وتجاوزت قيمة التصفيات ذات المراكز الطويلة (Longs) 520 مليون دولار، بينما بلغت التصفيات ذات المراكز القصيرة (Shorts) نحو 80 مليون دولار، وشملت التصفيات العملات الرئيسية مثل البيتكوين والإيثيريوم وسولانا ودوجكوين، وريبل؛ ما زاد من اضطراب السوق.
الأسواق الرقمية العالمية
القرارات الاقتصادية، مثل فرض الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك والصين، كان لها تأثير كبير على الأسواق الرقمية العالمية، حيث أثرت هذه السياسات على سلاسل الإمداد والتجارة الدولية. هذه الإجراءات لم تؤثر فقط على الاقتصاد الأميركي، بل أدت إلى حالة من عدم الاستقرار في الأسواق العالمية، بما في ذلك العملات الرقمية التي أصبحت جزءاً مهماً من الاقتصاد العالمي.
والتوترات التجارية بين أكبر اقتصادات العالم تزيد من القلق حول النمو الاقتصادي العالمي، ما يعزز المخاوف من تأثير هذه السياسة على الأسواق الناشئة، بما فيها الأسواق الرقمية. وبالتالي، يعكس هذا التأثير تراجع الطلب على العملات المشفرة مع توجه المستثمرين نحو أصول أكثر أماناً مثل الدولار الأميركي؛ ما يزيد من الضغوط على العملات الرقمية ويقلل من استثمارات السوق.
ويأتي ذلك وسط ردود الأفعال من الدول المتأثرة، مثل الصين وكندا والمكسيك، والتي كانت سريعة ومتوقعة، حيث بدأ العديد من هذه الدول أخذ تدابير انتقامية للحد من تأثير الرسوم الجمركية.
والصين على سبيل المثال قد تقوم بتقليص حجم استثماراتها في الأصول الرقمية، في حين قد تفرض كندا والمكسيك قيوداً تجارية جديدة قد تؤثر سلباً على الاقتصاد الرقمي، هذا بدوره يؤدي إلى تزايد عدم اليقين، ويشكل ضغطاً إضافياً على المستثمرين في السوق الرقمية الذين يواجهون تقلبات واسعة.
والمستثمرون في هذا القطاع الذين يعتمدون على التقلبات الكبيرة لتحقيق العوائد قد يشعرون بالقلق من عدم استقرار الأسواق العالمية، ما يدفعهم للبحث عن استثمارات أقل تقلباً، مثل الأصول التقليدية أو السندات المقومة بالدولار. هذا الوضع يعكس تراجع الثقة في العملات الرقمية باعتبارها أداة استثمارية مستقرة وسط هذه التقلبات.
سيناريوهات مستقبلية للأسواق الرقمية
في ظل التوترات الاقتصادية والسياسية الحالية، يمكن تصور عدة سيناريوهات مستقبلية للأسواق الرقمية.
السيناريو الأول يتضمن استمرار التقلبات الحادة في الأسواق مع تزايد الضغط على العملات الرقمية بسبب السياسات الاقتصادية، مثل رفع أسعار الفائدة التي قد تستمر في التأثير على الطلب على الأصول ذات المخاطر العالية، في هذا السيناريو، من المتوقع أن تستمر العملات الرقمية في خسارة قيمتها على المدى القصير وسط الإقبال المتزايد على الدولار الأميركي والسندات كملاذات آمنة.
من ناحية أخرى، في حال انحسار حدة التوترات الاقتصادية وعودة الاستقرار إلى الأسواق المالية العالمية، قد نشهد استعادة تدريجية في ثقة المستثمرين بالعملات الرقمية، ما يعزز من قيمتها على المدى المتوسط. ولكن، بالنظر إلى نتائج مماثلة في الماضي، مثل تداعيات أزمة 2008 المالية، يمكن أن تشهد السوق الرقمية تعافياً تدريجياً وببطء، مع تحرك المستثمرين في البداية إلى أصول أكثر أماناً قبل العودة إلى الاستثمار في الأصول عالية المخاطر.
في الختام، ستعتمد مسارات السوق على العديد من العوامل، بما في ذلك استجابة الحكومات العالمية لسياسات ترامب الاقتصادية، وتأثير ذلك على التجارة العالمية، إضافة إلى سياسات البنوك المركزية في التعامل مع التضخم ورفع أسعار الفائدة.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستتعافى العملات الرقمية سريعاً، أم أن السوق مقبلة على مزيد من التقلبات؟ الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد الاتجاه المستقبلي لهذا القطاع.