في عالم المال، هناك مَن يطارد الاتجاهات، ومَن يختبئ خلف المؤشرات، ومَن يتربّص بالفرص الخفية.. لكن قلة فقط هم من يرون في الفرق بين الأسعار طريقاً للربح.. هؤلاء هم صُنّاع «الأربتراج» Arbitrage، وخاصة في سوق الذهب؛ المعدن الذي لا يفقد بريقه، حتى حين تتقلب الأسعار.
لكن الأربتراج هو كأن يرتشف المضاربون من كؤوس الهوامير، لا يكونون في ولائم السوق، بل في هوامشه. لا يجلسون على الموائد، بل يمرّون خفافاً بين الكراسي، يلتقطون الرشفة التي تسقط من يدٍ مترفة أو الثغرة التي غفلت عنها خزانة هامور.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
فالأربتراج هو لعبتهم، فن السرعة في اقتناص الخطأ، لا الجشع في ملاحقة الاتجاه، المرتشفون من عموم المضاربين لا يغامرون، بل ينفذون كالإبرة في نسيج متوتر من الأسعار، يحيكون ربحهم بخيوط لا تُرى.
فعملية الأربتراج هي ربح بلا ضجيج، كأنك تقطف ثمرة سقطت من شجرة عالية، قبل أن يلاحظ غيابها أحد.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
حين يتكلم الذهب بلغتين: الفوري والآجل، فالذهب، في طبيعته، واحد. لكنه في السوق، يُباع بأكثر من وجه.
في السوق الفورية (Spot Market)، هو الذهب العيني الذي يُشترى ويُباع هنا والآن، بسعر اللحظة. أمّا في السوق الآجلة (Futures Market)، فهو وعد مؤجل، عقد يُبرم اليوم لتسليم المعدن النفيس بعد أشهر، بسعر يُتفق عليه سلفاً.
وقد يحدث أن يختلف السعران؛ فالفوري مثلاً بـ2000 دولار، والآجل بعد 3 أشهر بـ2030 دولار.. إذا كانت تكلفة الاحتفاظ بالذهب خلال تلك المدة أقل من الفرق (لنقل 20 دولاراً)، فإن المتداول النبيه يرى أمامه فرصة ذهبية، حيث يمكنه أن يشتري الذهب الآن، ويبيعه على الورق للمستقبل، ضامناً بذلك ربحاً قد لا يتجاوز عشرة دولارات للأونصة، لكنه مضمون ومحسوب بدقة.
الأربتراج.. ربحٌ مِن فرقٍ لا يُرى
الأربتراج ليس مقامرة ولا مغامرة، بل هو أشبه برقصة دقيقة بين الأسواق، يُتقنها مَن يملك السرعة والعين الحادة.
فمثلاً، إذا كان الذهب يُتداول في بورصة لندن بسعر أقل من نيويورك ببضعة دولارات، فإن المتمرس يستطيع أن يشتري من الأولى ويبيع في الثانية في اللحظة نفسها، محققاً هامش ربح صغير، لكنه يتكرر مرات كثيرة.
بين الذهب والنقود.. لعبة عملات
وهناك من يتاجر بالذهب عبر بوابة العملات. يُسعَّر الذهب بالدولار واليورو والين، وتغيرات سعر الصرف قد تفتح ثغرة صغيرة يستطيع المحترف أن يمر منها، محولًا فرق العملة إلى ربح صافٍ.
فرصٌ لا تدوم.. لكنها تتكرر
الأسواق الذكية تلتهم الفرص سريعاً، ما إن يظهر فرق في السعر، حتى تسارع الخوارزميات والبنوك والمتداولون المؤسسيون إلى استغلاله.
لكن الفوضى، التقلبات، الأزمات، واختلاف المناطق الزمنية، كلها تُعيد هذه الفجوات إلى الظهور، وتمنح من يستعد لها فرصة أخرى.
بالنهاية، فإن أربتراج الذهب ليس مجرد تجارة، بل فن الرؤية بين السطور، حيث يكون الربح في ما لا يراه الجميع، والخسارة في لحظة تردد.
هو عمل للمحترفين، نعم، لكن فهمه يُضيف للمستثمر العادي بُعداً جديداً في قراءة السوق.. ويُعلمنا أن ليس كل ذهب يُشترى لمجرد اللمعان، بل لأن في تفاصيله فرصة تستحق الانتباه.