في أسواق الفوركس (سوق العملات الأجنبية) والمضاربة الفورية على الدولار مقابل العملات العالمية والذهب والنفط، نجد ثمة علاقة يعرفها القناصون متى اكتملت إشاراتها، لتعد بالنسبة لهم بمثابة بوصلة لا تخطيء لصفقات فائقة الربح.
أحد أبرز أسرار انهيار وانفجار أسعار الذهب في السوق العالمية، إنه التناوب على العرش بين سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات، وأسعار الذهب.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
ففي الوقت الذي تعتبر فيه سندات الخزانة عمود الخيمة للاقتصاد الأميركي والوعد المقدس بعائد معلوم لأي حائز على هذه السندات، فإن أي تغير في هذا العائد يلتقطه الذهب ليأخذ زمام الأمور.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
فإذا ما علت نغمات الخوف من التضخم أو الغموض الجيوسياسي، ينهض الذهب ليحتل الصدارة، وتتراجع سندات الخزانة.
وإذا ما عادت نغمات الاستقرار وارتفعت الفائدة، تنهض السندات لتستعيد مكانتها، ويخفت بريق الذهب مؤقتاً.
فتناوب العرش هو بوصلة المستثمرين المحترفين، فمع كل انسحاب للسيولة من ردهات الخزانة، تتدفق السيولة أنهاراً على الذهب، فالعلاقة عكسية بين سعر الذهب وعائد سندات الخزانة الأميركية، والحديث هنا عن سندات لأجل 10 سنوات.
التناوب على العرش
إن الذهب كأصل لا يدر عائداً بحد ذاته، ولا يدفع فائدة أو أرباحاً لحامله، على عكس السندات التي تدفع فائدة (كوبون) بشكل منتظم، وعندما ترتفع عوائد سندات الخزانة الأميركية (تصبح الفائدة التي تدفعها السندات أعلى).
وهنا، فإن الاحتفاظ بالذهب يصبح أقل جاذبية للمستثمرين، لماذا؟ لأن المستثمر يمكنه الحصول على عائد مضمون نسبياً وأعلى من خلال الاستثمار في السندات، وبالتالي تزيد «تكلفة الفرصة البديلة» للاحتفاظ بالذهب، وهذا يدفع بعض المستثمرين لبيع الذهب وشراء السندات، ما يضغط على سعر الذهب للهبوط.
ويعتبر كل من الذهب وسندات الخزانة الأميركية ملاذات آمنة في أوقات عدم اليقين الاقتصادي أو الجيوسياسي.
ومع ذلك، يميل الذهب إلى التألق أكثر عندما تكون هناك مخاوف من التضخم أو ضعف الدولار الأميركي، حيث يُنظر إليه كمخزن للقيمة.
إسقاط على تداولات اليوم
لنسقط ما سبق على تداولات الأربعاء والخميس، نجد أن أسعار اليوم الخميس 17 يوليو 2025، الذهب بالفعل فقد قرابة 40 دولاراً في السعر الفوري عند 3330 دولاراً للأونصة، فيما يبلغ عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات نحو 4.48% وهو عائد مرتفع نسبياً لذا هبط الذهب بالفعل، على الرغم من أن الذهب لا يزال عند مستويات عالية بسبب عوامل أخرى (مثل التوترات التجارية وسياسات ترامب).
هذا يتوافق مع العلاقة العكسية، حيث إن ارتفاع عوائد السندات يجعلها أكثر جاذبية مقارنة بالذهب الذي لا يدر عائداً.
وصباح اليوم الخميس، ارتفع عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات إلى نحو 4.48%، مع انحسار توترات السوق بعد أن صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه «من المستبعد جداً» أن يُقيل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.
وكانت العائدات قد انخفضت في اليوم السابق بعد ظهور تقارير تُشير إلى أن ترامب قد يُقيل باول قريباً، وهي خطوةٌ خشي المستثمرون أن تُؤدي إلى تخفيضاتٍ أسرع وأكثر عمقاً في أسعار الفائدة، وهو ما جعل الذهب أمس يقفز بأكثر 50 دولاراً أيضا، وهكذا فخسارة الأمس للذهب عكست تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية، وهبوط الذهب اليوم يعكس ارتفاع العائد.
شواذ القاعدة
ومع ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك عوامل أخرى مؤثرة مثل السياسات التجارية، توقعات التضخم، وموقف الاحتياطي الفيدرالي من أسعار الفائدة المستقبلية، والتي يمكن أن تؤثر على حركة كل من الذهب والسندات.
مد وجزر
بالنهاية إنه تناقل مستمر للسيولة، أشبه بالمد والجزر، ففي لحظة يكون الذهب هو سيد الموقف وقبلة الأنظار، وفي اللحظة التالية يصبح سند الخزانة هو الجاذب الأكبر، بوعوده الثابتة التي تغري الأيدي الباحثة عن اليقين.
هذه الرقصة الأبدية بين الأمان الثابت والملاذ المرن، هي ما تشكل جزءًا كبيراً من حركة رؤوس الأموال في الاقتصاد العالمي، وتجعل المستثمرين يترقبون كل إشارة، ليعرفوا أي كرسي سيشغلونه في الجولة التالية.