ترامب يتجاهل تحذيرات الأسواق.. فهل يلقى مصير ليز تراس؟

تحذيرات من ركود اقتصادي مع تصاعد الرسوم الجمركية الأميركية (شترستوك)
ترامب يتجاهل تحذيرات الأسواق.. فهل يلقى مصير ليز تراس؟
تحذيرات من ركود اقتصادي مع تصاعد الرسوم الجمركية الأميركية (شترستوك)

يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاهل تحذيرات الاقتصاديين وقطاعات الأعمال بشأن التداعيات السلبية لسياساته التجارية، خاصة فرض الرسوم الجمركية على الواردات.

فقد أدت هذه الإجراءات إلى اضطرابات في الأسواق المالية، ما تسبب في خسائر بمليارات الدولارات للمستثمرين وأصحاب المعاشات في الولايات المتحدة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

لكن ترامب ليس أول زعيم يغامر بتحدي القواعد الاقتصادية الراسخة، فقبل وصوله إلى البيت الأبيض، كانت هناك رئيسة وزراء بريطانية سابقة، ليز تراس، التي أثارت فوضى مالية كبيرة بسياساتها، ما أجبرها في النهاية على التراجع والتخلي عن منصبها في وقت قياسي، فهل يمكن أن يكون مصير ترامب مشابهاً؟

الأسواق المالية.. اللاعب الأقوى

يرى الخبراء أن الأسواق المالية تظل صاحبة الكلمة الفصل في تقييم السياسات الاقتصادية، فبحسب روس مايفيلد الخبير الاستثماري في شركة «بيرد» للخدمات المالية، فإن هناك «ثروة خاصة هائلة مرتبطة بسوق الأسهم»، ما يجعل تجاهل تداعيات سياسات ترامب على الأسواق مخاطرة كبيرة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

ويعتمد ترامب على التعريفات الجمركية باعتبارها وسيلة لتعزيز الصناعة المحلية وتقليص العجز في الموازنة العامة، لكنه يواجه انتقادات واسعة من  الشركات والاقتصاديين، الذين يرون أن هذه الإجراءات ترفع تكاليف الإنتاج وتضعف القدرة التنافسية للمنتجات الأميركية في الأسواق العالمية.

توقعات اقتصادية متشائمة

رغم أن ترامب يصر على أن خططه لن تلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد، فإن مؤسسات مالية كبرى بدأت ترفع احتمالات حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة.

ورفعت «غولدمان ساكس» تقديراتها لاحتمال الركود إلى 20 في المئة، بينما زادت «جيه بي مورغان» توقعاتها إلى 40 في المئة، مشيرة إلى أن السياسات الحكومية الأقل دعماً للأعمال تلعب دوراً في ذلك.

وبالتزامن مع ذلك، شهدت الأسواق تراجعاً ملحوظاً، إذ انخفض مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 8.2 في المئة منذ فبراير شباط، فيما فقد مؤشر ناسداك 12 في المئة من قيمته منذ ديسمبر كانون الأول 2024، وسط تزايد الضبابية بشأن مستقبل السياسات التجارية.

الشركات تحذر من الغموض

لم يقتصر القلق على المستثمرين، بل امتد إلى قطاع الأعمال، فقد توقعت متاجر «تارغت» تراجع إنفاق المستهلكين بسبب عدم اليقين حول الرسوم الجمركية، بينما حذرت شركة الطيران «دلتا» من أن تراجع ثقة الشركات والمستهلكين أدى إلى خفض توقعاتها للأرباح.

وفي هذا السياق، أكد كيفن غوردون، المحلل الاستثماري في «شواب»، أن عدم وضوح السياسات الاقتصادية يمثل «عامل ضغط قاتل» للشركات والمستثمرين، إذ تجد الشركات صعوبة في وضع خطط إنفاق واضحة.

هل يضطر ترامب إلى التراجع؟

رغم أن ترامب يبدو غير مكترث بتراجع الأسواق، إذ صرح الأسبوع الماضي قائلاً، «الأسواق ترتفع وتهبط، لكن الأهم هو إعادة بناء بلادنا»، فإن الخبراء يرون أن هناك حدوداً لتحمله الاضطرابات الاقتصادية.

ويشير بول دونوفان، كبير الاقتصاديين في «يو بي إس لإدارة الثروات»، إلى أن ترامب اضطر سابقاً إلى تعديل بعض سياساته الاقتصادية تحت ضغط الأسواق، مثل تأجيل بعض التعريفات الجمركية الشديدة على الصين وكندا والمكسيك، وإعادة العمل جزئياً بميزة «de minimis» التي تسمح بإدخال الشحنات الصغيرة دون رسوم جمركية.

الدرس المستفاد من ليز تراس

تشير تجربة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تراس إلى مخاطر تحدي الأسواق، ففي عام 2022، أطلقت تراس خطة اقتصادية جريئة تضمنت تخفيضات ضريبية ضخمة غير ممولة، ما أدى إلى انهيار السندات الحكومية البريطانية، وارتفاع تكاليف الرهن العقاري، وخلق أزمة كادت تعصف بصناديق المعاشات.

اضطرت تراس أمام هذه الفوضى إلى التراجع عن خطتها، لكنها لم تستطع إنقاذ منصبها، إذ استقالت بعد 49 يوماً فقط، لتصبح صاحبة أقصر مدة حكم في تاريخ بريطانيا.

ويرى جاك أبلين، الشريك المؤسس في «كريسيت كابيتال»، أن الأسواق المالية ستظل الحكم الحاسم على سياسات ترامب، لأنها تؤثر بشكل مباشر على إنفاق المستهلكين.

ومع تراجع قيم الأسهم واستثمارات التقاعد، يصبح الأميركيون أقل رغبة في الإنفاق على الكماليات، ما قد يخلق حلقة ركود اقتصادي.

ويرى محللون أن ترامب لديه أدوات عديدة للتهدئة، مثل تخفيف نبرته تجاه الحروب التجارية والتركيز على سياسات أكثر جذباً للأسواق، كالتخفيضات الضريبية وتقليل القيود التنظيمية.

لكن إلى أي مدى يستطيع ترامب تحمل الضغوط قبل أن يغير مساره؟ الإجابة قد تكون في يد الأسواق المالية، وكما أثبتت تجربة ليز تراس، فإن تجاهل إشارات الأسواق قد يكون خطأً لا يمكن تصحيحه بسهولة.

(آنا كوبان، CNN).