عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنشاء وزارة كفاءة الحكومة، تم الترحيب بالمبادرة، حيث كان تحسين أداء الحكومة الفيدرالية من خلال إشراك جهات خارجية فكرة ممتازة، وكان هدف إيلون ماسك المعلن، وهو خفض الميزانية بمقدار تريليوني دولار، رغم طموحه، معياراً مفيداً.
لكن وزارة كفاءة الحكومة لم تبدأ عملها بمواجهة الأهداف الأكثر منطقية، والبحث حقاً عن الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام في جهات تنفق ميزانيات ضخمة، مثل برنامج الرعاية الصحية (ميديكير) ووزارة الدفاع، بل كان هدفها الرئيسي الأول وكالة صغيرة ربما لم يسمع بها معظم الأميركيين من قِبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تبلغ ميزانيتها الإجمالية نحو 40 مليار دولار أقل من 1 في المئة من الإنفاق الفيدرالي.
لاحقت وزارة كفاءة الحكومة بوحشية هذه الوكالة الصغيرة، ووصفها ماسك بـ«منظمة إجرامية».
طُرِد مسؤولون حكوميون قضوا سنوات في دول أجنبية يقدّمون المساعدة للفقراء دون محاكمة، وطُلِب منهم العودة إلى ديارهم، وتم إيقاف البرامج الطبية والتغذوية، ما يعني معاناة الملايين من المرض والجوع.
ما الذي يُفسّر هذه القسوة الموجّهة ضد أشخاص وبرامج لا تُذكر من حيث الميزانية؟ يبدو أن وزارة كفاءة الحكومة تُدرك التحدي الرئيسي الذي يواجهه اليمين في حربه على الحكومة، فالأموال الحقيقية تكمن في البرامج الضخمة التي يدعمها الشعب، لذا بدأت وزارة كفاءة الحكومة حربها باختيار بند من الإنفاق الحكومي غير مرغوب فيه على نطاق واسع، وهو الإنفاق على الأجانب.
استمتع ماسك وترامب بسرد جميع عمليات الاحتيال التي اكتشفاها، على الرغم من أن أياً من المشاريع التي أدرجاها لم يُظهر أي دليل على فساد واسع النطاق، بل كانت ببساطة برامج يعلم الكثير من الأميركيين أن تمويلها لن يكون مُرضياً، خاصة عندما يتم شرح كيفية عملها بطريقة خاطئة.
لقد هاجمت وزارة كفاءة الحكومة إدارة الضمان الاجتماعي، وزعمت أنها وجدت ملايين المتوفين في سجلاتها، مع التلميح إلى أن هؤلاء الأشخاص ما زالوا يتقاضون إعانات وتعويضات.
في الواقع كل ما عثروا عليه هو ملفات موظفين قديمة لم تُحذف منها أسماء المتوفين، تماماً كما الحال مع سجلات عناوينك أو مجلدات جهات الاتصال التي ربما لا تزال تحتوي على أسماء المتوفين، ومن الواضح أن معظمهم لا يحصلون على إعانات، ولكن مرة أخرى، كانت استراتيجية كاشفة لتوجهات الوزارة الجديدة، فبدلاً من الحديث بجدية عن تغيير منظومة الضمان الاجتماعي، من خلال اختبار كفاءة العمل، أو رفع سن التقاعد، كانت وزارة كفاءة الحكومة ترى إمكانية توفير مليارات الدولارات بمجرد تحسين ملفات الموظفين.
بالطبع من الممكن تحقيق وفورات في واشنطن، وهناك تجارب سابقة جيدة.
وفّرت لجنة إعادة اختراع الحكومة، التي أنشأها نائب الرئيس الأسبق، آل غور، على الحكومة الفيدرالية نحو 140 مليار دولار، لكنها عملت بطريقة معاكسة لسياسات وزارة كفاءة الحكومة؛ فقد تعاونت مع الوكالات لتحديد حالات التسريح اللازمة والممكنة، وعملت مع الكونغرس لتعديل القوانين، واستخدمت مشرط الجراح لتقليص النفقات.
من ناحية أخرى، دأبت وزارة كفاءة الحكومة على إجراء عمليات تسريح جماعية دون استشارة كافية، لدرجة أن عمليات التسريح واسعة النطاق التي قامت بها في مصلحة الضرائب من المُرجح أن تؤدي إلى انخفاض كبير في عائدات الضرائب المُحصّلة، ما قد يؤدي إلى زيادة عجز الموازنة.
الجدير بالذكر أن حجم البيروقراطية الفيدرالية صغير مقارنة بالدول الغنية الأخرى، وهو تقريباً حجمها نفسه قبل 50 عاماً.
يشكّل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية وغيرها من النفقات الإلزامية مثل إعانات المحاربين القدامى والإنفاق الدفاعي ومدفوعات الفوائد نحو 85 في المئة من الميزانية.
هذا في جانب الإنفاق، أمّا الجانب الآخر من العجز: جانب الإيرادات، فسنلاحظ أن الدين الوطني المتضخم لأميركا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسلسلة من التخفيضات الضريبية التي بدأت في عهد إدارة ريغان.
وبحسب تقديرات بحثية داعمة للحزب الديمقراطي، أضافت التخفيضات الضريبية التي أقرها بوش وترامب وحدها 10 تريليونات دولار إلى الدين العام، وهي تُمثّل 57 في المئة من الزيادة في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في أميركا منذ عام 2001.
تجدر الإشارة إلى أنه مقارنة ببقية الدول المتقدمة حول العالم، لا تزال الولايات المتحدة تسجّل أدنى معدل لعائدات الضرائب كنسبة مئوية من ناتجها المحلي الإجمالي.
لهذا نجد أن أبسط طريقة لتحقيق أقصى قدر من النجاح لوزارة كفاءة الحكومة، هي التوصية بإلغاء التخفيضات الضريبية التي يسعى الرئيس ترامب إلى إقرارها، وبالتالي خفض الدين الوطني بنحو 4.5 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، وهو مبلغ يفوق بكثير أي خطة للحزب الجمهوري لخفض الإنفاق.
لكن لا يمكن توقع هذه الرشادة، الأرجح أن تعلن وزارة كفاءة الحكومة اكتشافاً جديداً مذهلاً مثل تكرار البرامج في وكالة حماية البيئة، ما قد يوفّر للحكومة الفيدرالية 100 مليون دولار، أي ما يعادل 0.001 في المئة من ميزانية عام 2025.