في ظل الارتفاع الطفيف والمفاجئ الذي شهده معدل التضخم في الولايات المتحدة خلال شهر فبراير شباط، تبرز تحديات جديدة أمام الاقتصاد الأميركي والرئيس جو بايدن، في الوقت الذي تعتبر فيه زيادة التضخم مؤشراً محتملاً على تأخير خفض أسعار الفائدة، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على توقعات النمو الاقتصادي ويضع الرئيس في مواجهة سيناريوهات شائكة قبيل الانتخابات الرئاسية المنتظرة في نوفمبر تشرين الأول.

بالفعل، ارتفع التضخم في الولايات المتحدة بشكل غير متوقع إلى 3.2 في المئة في فبراير شباط، بفعل ارتفاع أسعار الخدمات مثل التأمين على السيارات والصحة، ومع زيادة التضخم الأخيرة وبيانات الوظائف التي جاءت أفضل من التوقعات، يواجه الاحتياطي الفيدرالي ضغوطاً متزايدة لاتخاذ إجراءات لإعادة التضخم إلى مستوياته المستهدفة البالغة اثنين في المئة.

وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين يوم الأربعاء إنه «من غير المحتمل» أن تعود أسعار الفائدة إلى المستويات ما قبل أن جائحة كوفيد-19

وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.4 في المئة في الشهر الماضي بعد أن زاد بنسبة 0.3 في المئة في يناير كانون الثاني، حسب ما ذكرت وزارة العمل، وأسهمت أسعار البنزين والسكن، والتي تشمل الإيجارات، بأكثر من 60 في المئة في الزيادة الشهرية لمؤشر أسعار المستهلك.

وعلى الرغم من توقعات الأسواق بخفض أسعار الفائدة في الفترة بين مارس آذار ويونيو حزيران، فإن جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في سيدرا ماركتس، يشير في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إلى أن الفيدرالي قد ينتظر حتى يوليو تموز قبل أن يبدأ بتخفيض الفائدة، في ظل بيانات التضخم والوظائف.

ويضيف يرق أن الفيدرالي سيحتاج إلى المزيد من البيانات، خاصة أرقام التضخم في مارس آذار وأبريل نيسان، قبل اتخاذ قرارات حاسمة.

ويرى يرق أن ارتفاع التضخم المستمر أو ما يسمى بالـ«التضخم اللزج» خلال شهري فبراير شباط ويناير كانون، وما قد يتبعه من فوائد مرتفعة لفترة أطول، قد يؤثر بشكل كبير على الاقتصادات، وتحديداً الاقتصادات العالمية والأميركية.

ومن جهته، يتفق وائل مكارم، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة «اكسنس» للتداول، في حديث لـ«CNN الاقتصادية» مع هذا التقييم، إذ يرى أن التضخم بات لزجاً، ويضيف أن بيانات التضخم الأخيرة أظهرت أنه منذ منتصف عام 2022 حتى اليوم، كان هناك تراجع ملحوظ على جميع مكونات المؤشر خاصة أسعار الطاقة ولكن باستثناء المسكن والمواصلات، فمؤشر أسعار السكن يعتبر لاحقاً ولا يعطي الصورة الواضحة حول تراجع معدلات الإيجار بنحو 20%، ويعول أعضاء الفيدرالي على تراجع هذا المؤشر الذي قد يدفع التضخم العام نحو المستهدف، أما في حال عادت أسعار الإيجار للارتفاع مع تعافي أسعار النفط، فقد يواجه الفيدرالي معضلة تجبره على حتى التفكير في رفع معدلات الفائدة من جديد، وفقاً لمكارم.

وعلى الرغم من أن قرارات الاحتياطي الفيدرالي تُتخذ بشكل مستقل عن إدارة بايدن، فإن ارتفاع معدل التضخم واحتمالية تأخير خفض الفائدة قد تزيد من التحديات التي يواجهها بايدن في ضوء الانتخابات القادمة، وعلى الرغم من انخفاض التضخم في الولايات المتحدة من ذروته البالغة 9.1%، فإنه لم يكن كافياً لإيقاف شكاوى الناخبين حول ارتفاع الأسعار، حيث يوجه بعضهم اللوم إلى بايدن، وفي هذا السياق استهدف الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح لانتخابات الرئاسية القادمة، منافسه بسبب التضخم قائلاً «الناس يمرون بالجحيم، بسبب ارتفاع الأسعار، مع ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء إلى أعلى المستويات».

وتمثل السياسات الاقتصادية والتضخم باعث قلق لبايدن، الذي يسعى لإظهار نجاحاته في إدارة الاقتصاد وتحقيق التوازن بين التضخم والنمو الاقتصادي، فيستغل بايدن هذه الفترة لمهاجمة المعارضة وتسليط الضوء على وعده بمواجهة الأسعار المرتفعة.

وعلى الرغم من محاولته ليصور نفسه على أنه ملتزم بالدفاع عن المواطن الأميركي البسيط ضد مصالح الأقوياء والأثرياء، فإن استطلاعات الرأي تظهر باستمرار أن عدداً أكبر بكثير من الأميركيين، بما في ذلك أعداد كبيرة من الناخبين السود والناخبين من أصل إسباني، يعتقدون أنهم استفادوا شخصياً من سياسات ترامب مقارنة بسياسات بايدن.

وفي ظل التحديات الاقتصادية الراهنة والتضخم اللزج، يقف الفيدرالي الأميركي وإدارة الرئيس بايدن أمام مفترق طرق حاسم.

ومع الإعلان عن توقعات تراجع بعض مكونات التضخم دون غيرها، تتزايد التساؤلات حول مستقبل السياسات النقدية، فهل سينجح الفيدرالي في الموازنة بين خفض الأسعار ودعم النمو الاقتصادي؟ وكيف سيؤثر هذا السيناريو على الاقتصاد الأميركي والعالمي في ظل الانتخابات الرئاسية المقبلة؟