عاد الخوف ليهيمن على وول ستريت، وشهدت الأسهم يوماً سيئاً آخر، فقد انخفض مؤشر داو جونز بأكثر من 1000 نقطة عند الافتتاح، وهبطت السوق الأوسع بنسبة 3% يوم الاثنين 5 أغسطس آب 2024، وانخفض مؤشر ناسداك، المليء بأسهم التكنولوجيا المحفوفة بالمخاطر، بنسبة 3.7%.
يأتي ذلك وسط موجة بيع عالمية للأسواق، فقد هبط مؤشر نيكاي 225 الياباني بنسبة 12%، وهو أسوأ انخفاض في تاريخه، كما شهدت جميع الأسواق الرئيسية في آسيا وأوروبا انخفاضات كبيرة يوم الاثنين.
تأتي ثلاثة مخاوف معاً لتدفع الأسواق نحو الانهيار يوم الاثنين، تزايد المخاوف بشأن الركود، والقلق من أن الاحتياطي الفيدرالي لم يتصرف بسرعة كافية، والاعتقاد بأن الرهانات الكبيرة على الذكاء الاصطناعي قد لا تؤتي ثمارها.
مخاوف الركود
العامل الأبرز هو الخوف من أن الاقتصاد الأميركي في وضع أسوأ مما كان يُعتقد سابقاً، كما يظهر في الارتفاع غير المتوقع في معدل البطالة يوم الجمعة.
أفادت وزارة العمل الأميركية يوم الجمعة بأن الاقتصاد الأميركي أضاف 114,000 وظيفة فقط في يوليو -أقل بكثير من المتوقع- وارتفع معدل البطالة إلى 4.3%، رغم أن هذا المعدل ليس غير صحي بحد ذاته، فإن ارتفاعه المفاجئ يثير القلق؛ في العام الماضي، كان معدل البطالة في أدنى مستوياته منذ الهبوط على القمر.
لا يزال الاقتصاد الأميركي قوياً، في الربع الأخير، نما بأكثر من المتوقع، بفضل الإنفاق الاستهلاكي القوي الذي يمثل أكثر من ثلثي إجمالي الناتج المحلي، لكن مخاوف الركود تتزايد.
رفع اقتصاديون في بنك غولدمان ساكس يوم الاثنين، احتمالية حدوث ركود إلى واحد من كل أربعة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، ولا يزال هذا احتمالاً «محدوداً»، لأن البيانات الاقتصادية تبدو قوية بشكل عام، ولدى الاحتياطي الفيدرالي مساحة كبيرة لخفض معدلات الفائدة من أعلى مستوى لها منذ 23 عاماً.
لكن احتمالات الركود لدى غولدمان ساكس لا تزال أعلى بعشر نقاط مئوية مما كانت عليه قبل تقرير الوظائف يوم الجمعة الذي وصفه بأنه «أكثر إثارة للقلق الآن».
مخاوف الاحتياطي الفيدرالي
حققت سوق الأسهم أرقاماً قياسية هذا العام، مدعومة بانخفاض التضخم والشعور المتزايد بأن الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ في تخفيض معدلات الفائدة، ما يمكن أن يعزز أرباح الشركات.
لكن الاحتياطي الفيدرالي لم يخفض معدلات الفائدة كما كان يأمل الكثيرون الأسبوع الماضي، السوق ترى بشكل متزايد أن صبر الاحتياطي الفيدرالي خطأ.
الاحتياطي الفيدرالي مشهور بكونه سيئاً في توقيت قراراته المتعلقة برفع وخفض الفائدة، تأخر كثيراً في مواجهة التضخم واضطر إلى تعويض ذلك بزيادات تاريخية في معدلات الفائدة في 2022 لكبح الأسعار الجامحة. وبالمثل، يعتقد بعض الاقتصاديين أن الاحتياطي الفيدرالي كان يجب أن يبدأ في خفض الفائدة في وقت أقرب.
خفض معدلات الفائدة يمكن أن يساعد في دعم سوق العمل عن طريق خفض تكاليف الاقتراض للشركات وتحرير الأموال التي يمكن استخدامها في التوظيف، لكن القرارات السياسية تستغرق وقتاً لتؤثر على الاقتصاد، ومع انخفاض التضخم بشكل كبير في الأشهر الأخيرة وارتفاع معدل البطالة، يخشى البعض أن يكون الاحتياطي الفيدرالي متأخراً جداً في التحرك قبل أن يتحول البطء في التوظيف إلى تسريح جماعي للعمال.
من المقرر أن تعقد اجتماعات الاحتياطي الفيدرالي القادمة في سبتمبر ونوفمبر وديسمبر، يتوقع محللو سيتي غروب وجي بي مورغان أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة بمقدار نصف نقطة في اجتماعيه المقبلين، لكن قد يكون ذلك متأخراً جداً، قد يضطر إلى إجراء خفض طارئ للفائدة قبل ذلك، وهو تدخل استثنائي ترى السوق أنه مرجح بشكل متزايد، وفقاً لأداة «فيدوتش» الخاصة بـCME.
قال أستاذ التمويل الشهير في جامعة وارتون، جيريمي سيجل، على شبكة CNBC صباح الاثنين، إن خفضاً طارئاً -لم يحدث منذ الأيام الأولى لكوفيد- هو بالضبط ما يحتاج إليه الاحتياطي الفيدرالي للقيام به.
«إنه متأخر جداً الآن، أعني أن الاحتياطي الفيدرالي في مكان مرتفع للغاية»، قال سيجل «إذا نظرت إلى البيانات؛ فإنها ليست مريحة على الإطلاق».
مخاوف الذكاء الاصطناعي
كانت الأسهم ترتفع بشكل كبير خلال العامين الماضيين بسبب الرهانات الكبيرة على الشركات التكنولوجية المشاركة في الذكاء الاصطناعي؛ العديد كانوا يأملون أن يخلق الذكاء الاصطناعي ثورة صناعية عالمية أخرى.
لكن أرباح الذكاء الاصطناعي غير موجودة تقريباً، والتكنولوجيا غير المثبتة ليست جاهزة بعد للاستخدام على نطاق واسع، يخشى البعض أنها لن تصل أبداً إلى ذلك المستوى، بدأ المتداولون في فك رهاناتهم الكبيرة على أسهم أبل وإنفيديا ومايكروسوفت وميتا وأمازون وغوغل وغيرها من الأسهم التكنولوجية التي كانت ترتفع منذ بداية العام الماضي.
وارن بافيت، الرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي والقوة الهادئة المشهورة عندما تسود الأسواق الفوضى، أيضاً يتخلص من أسهم التكنولوجيا. لقد باع نصف حصة بيركشاير في أبل، وهو مؤشر مقلق لصحة قطاع التكنولوجيا.
نظراً لأن تلك الشركات تساوي كل منها ما يقرب من تريليون دولار أو أكثر وتشكل جزءاً كبيراً من القيمة الإجمالية لمؤشر S&P 500، فإن بيع المستثمرين أسهم التكنولوجيا له تأثير سلبي كبير على السوق الأوسع.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
يهرب المستثمرون نحو الأمان، إنهم يبيعون النفط والعملات المشفرة وخاصة الأسهم التكنولوجية، وبدلاً من ذلك، يتجهون إلى الملاذات الآمنة مثل السندات، ما يخفض عوائد الخزانة.
يمكن أن يعني ذلك مشكلات لبعض حسابات التقاعد، لكن الأشخاص الذين يقتربون من التقاعد يمكنهم الاستفادة إذا كانت لديهم نسبة كبيرة من السندات التي تستفيد من الهروب إلى الأمان.
قد تساعد معدلات الفائدة المنخفضة، إذا اتبع الاحتياطي الفيدرالي ذلك بخفض، في خفض معدلات الرهن العقاري المرتفعة بشكل قاسٍ ومعدلات قروض السيارات وغيرها من تكاليف القروض الاستهلاكية، قد يعني ذلك، أن الأشخاص الذين لديهم أموال مخزنة في حسابات التوفير قد يحصلون على فائدة أقل في الأشهر المقبلة.
شيء واحد يجب عدم القيام به، هو الذعر، وهذا ليس انهياراً في السوق، ليس بعد، على أي حال، المستثمرون متوترون، لكن ليسوا مذعورين، الانهيار يوم الاثنين، إذا انتهى عند المستويات الحالية، لن يكون حتى ضمن أسوأ 100 يوم في تاريخ السوق.
السؤال الوحيد الآن: كم من الوقت ستستمر هذه المخاوف قبل أن يشعر المستثمرون بفرصة شراء؟