يأتي اختيار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لسكوت بيسنت لتولي وزارة الخزانة ليعكس رغبة ترامب في تجنب إحداث تغييرات جذرية قد تزعزع استقرار الأسواق المالية، إذ يُعتبر بيسنت من الشخصيات الموثوقة والمُدربة في مجال الأعمال، وهو معروف بتعاملاته المحسوبة في الأسواق المالية، ولن يثير هذا الاختيار القلق في وول ستريت، وهو ما قد يكون في مصلحة استقرار الاقتصاد الأميركي.
تعتبر وزارة الخزانة من المناصب الرئيسية التي تتطلب كفاءات خاصة لقيادة الاقتصاد خلال الأزمات، وهي لا تقتصر على الإشراف على القضايا المالية المحلية فقط، بل تمتد تأثيراتها إلى الأسواق العالمية، لذلك كان من الممكن أن تؤدي الاختيارات الأكثر إثارة للجدل إلى زيادة المخاطر على الأجندة الاقتصادية المعقدة التي يعمل ترامب على تحقيقها.
بيسنت، الذي تأسس في مجال صناديق التحوط وسبق أن عمل كبيراً للمستثمرين في إدارة صناديق «سوروس»، يعتبر شخصية معتدلة تركز على استقرار الأسواق، وهو ما يراه البعض مهماً جداً في هذه المرحلة، وكان بيسنت من أبرز الأسماء في ترشيحات ترامب، ما يدل على أنه اختار شخصية قادرة على إدارة الأزمات المالية بشكل هادئ ومدروس.
التوازن في السياسات
على الرغم من أن بيسنت يلتزم بالحفاظ على استقرار الأسواق، فإنه ليس بعيداً عن سياسات ترامب الاقتصادية، إذ يرى بيسنت أن الرسوم الجمركية، مثل تلك المفروضة على الصين، تُعتبر أداة مهمة لتحقيق صفقات تجارية أفضل، ومع ذلك يركز بيسنت على دور وزارة الخزانة في الحفاظ على الثقة في الأسواق وعدم الإضرار بالأوضاع المالية في البلاد.
نقد بعض الداعمين لاختيار بيسنت
البعض من دوائر ترامب، مثل إيلون ماسك، كانوا قد دفعوا باتجاه تعيين شخصية تتسم بمزيد من الجراءة في تغيير الأوضاع الاقتصادية، مثل هوارد لوكنيك، الرئيس التنفيذي لشركة «كانتر فيتزجيرالد». ومع ذلك، تم اختيار بيسنت لتولي هذا المنصب الحساس بسبب قدرته على التوازن بين التحفظ في السياسة المالية والقدرة على دفع الأجندة الاقتصادية التي يدعمها ترامب.
حفاظ على استقرار الأسواق
إحدى المهام الأساسية لوزير الخزانة هو تهدئة الأسواق المالية خلال فترات الاضطراب، وهو ما يعكس ضرورة اختيار شخص ذي طابع هادئ وصبر استراتيجي.
وقد يكون هذا الاختيار هو الرد على الأزمات المالية السابقة التي واجهها ترامب في ولايته الأولى، مثل تقلبات الأسواق أثناء الحرب التجارية مع الصين، في عام 2018 تراجعت الأسواق بسبب المخاوف المتعلقة بالحرب التجارية مع الصين، وهو ما دفع ترامب إلى السعي لعقد صفقة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
بيسنت سيواجه تحديات كبيرة في تقديم السياسات التي تتماشى مع الأجندة الاقتصادية لترامب، مثل فرض رسوم جمركية جديدة على الصين وزيادة الرسوم على الواردات الأميركية الأخرى، وقد حذر الخبراء الاقتصاديون من أن هذه الرسوم قد تسهم في زيادة التضخم، وهو ما قد يكون له تأثير سلبي على الأسواق.
السياسة الداخلية والخارجية
وفي ظل التوترات المتعلقة بالهجرة، من المتوقع أن تنشأ تحديات إضافية لبيسنت إذا قام ترامب بإجراءات تهدف إلى ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، وهو ما قد يؤدي إلى ضغط إضافي على الاقتصاد الأميركي، من الممكن أيضاً أن تواجه الأسواق ردود فعل سلبية إذا حاول ترامب إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، وهو الأمر الذي يعتقد البعض أنه سيؤدي إلى زيادة القلق في الأسواق.
وجاء اختيار بيسنت ليعكس جزءاً من التوازن الذي يحاول ترامب إحداثه بين تحقيق الأهداف الاقتصادية التي وعد بها خلال حملته الانتخابية وبين الحفاظ على استقرار الأسواق المالية، ومن المتوقع أن يتعامل بيسنت مع الضغوط الاقتصادية بحكمة، وهو ما قد يساعد في تمرير السياسات الاقتصادية دون التأثير بشكل سلبي على الاقتصاد الأميركي.