رغم الأزمات.. لماذا يتمسك المستثمرون الأجانب ببورصة تل أبيب؟

في وقتٍ تتجه فيه أنظار المستثمرين نحو الملاذات الآمنة وتُعيد فيه الأسواق الناشئة ترتيب أولوياتها على وقع الحروب والتضخم، تواصل بورصة تل أبيب أداءها القوي رغم الظروف الجيوسياسية والاقتصادية المرافقة.

ورغم توقعات وكالة التصنيف الائتماني موديز بأن يتجاوز الدين العام الإسرائيلي 75% من الناتج المحلي الإجمالي ووصول العجز المالي إلى 8% من الناتج المحلي، فإن بورصة تل أبيب تحافظ على ثبات قل نظيره، الأمر الذي يبدو للوهلة الأولى كمؤشر على مناعة ومرونة السوق الإسرائيلية، لكن خلف هذه الصورة المُتوازنة تقف تركيبة مالية قائمة على سلوكيات شبه ثابتة للمستثمرين.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ويصف الخبير الاقتصادي راشد الخزاعي، في حوار خاص مع CNN Business Arabic، «خلال فترة الأزمات والحروب نرى ارتفاعاً في السوق المالية الإسرائيلية بشكل عام من صناديق المؤشرات والأسهم والشيكل في عالم العملات، لكن التطور الجديد هو تزامن هذا الارتفاع مقابل انخفاض في الأسواق المالية العالمية البارزة مثل السوق الأميركي والأوروبي، ما يحصل ليس ثقة عمياء بالسوق المالي؛ بل إدراك بأن السوق قابل للضبط من الداخل، وهذا بحد ذاته مغناطيس سيولة للمؤسسات».

تركيبة السوق

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

في الربع الأول من 2025، دخلت إلى بورصة تل أبيب TASE وتحديداً صناديق المؤشرات الإسرائيلية سيولة مباشرة تُقدّر بـ1.3 مليار دولار تزامنت مع تخارج أكثر من 1.4 مليار دولار من صناديق المؤشرات الأميركية، ما قد يشير إلى إعادة تموضع مقصودة للسيولة نحو إسرائيل.

فمنذ خصخصة بورصة تل أبيب عام 2019، أصبحت ملكيتها موزعة بين كبار المستثمرين العالميين الذين يمتلكون 30% كما أشار الخزاعي، وأبرزهم صندوق Pershing Square الذي يديره بيل آكمان، وNovo Nordisk وArtisan partners، وهؤلاء لا يضخون سيولة فقط في سوق الأسهم الإسرائيلي إنما يمتلكون أسهماً في بورصة تل أبيب نفسها، ما يعني أنهم لا يتعاملون مع السوق كطرف خارجي، بل كأصحاب قرار يملكون أدوات التأثير المباشر على السيولة، والتسعير، وتوقيت الصعود والهبوط، ووصف الخزاعي ذلك بالحالة الفريدة، حيث إن المستثمرين هم أيضاً أصحاب السوق.

هذا إلى جانب إلى جانب استثمارات من الصندوق السيادي النرويجي الذي ضخّ أكثر من مليار دولار في الأسهم الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023 ومصارف شركات تأمين إسرائيلية كبرى غالبيتها تابع للحكومة الإسرائيلية بحسب الخزاعي.

صانعو السوق والضغط القصير

وقال الخزاعي «في الثاني من أكتوبر 2023، وبينما كانت الحرب على غزة في ذروتها، تجاوزت عمليات البيع القصيرة (Short Selling) حاجز 100% من إجمالي التداول اليومي في بورصة تل أبيب، وهو مستوى عادةً ما يُنذر بانهيار وشيك في الأسواق، لكن المفارقة أن المؤشر الرئيسي TA‑125 أنهى الجلسة مرتفعاً بنسبة 0.5 %، واصفاً ما جرى بأنه «ضغط قصير افتراضي»، يُنفّذ بأدوات مؤسسية دقيقة تعطي أصحابها القدرة على توجيه الأسعار دون مواجهة التقلبات العالية أو سحب السيولة.

الثقة المُبرمجة

ومن الظواهر اللافتة في السوق الإسرائيلية كما أفاد الخزاعي هي «شراء القاع» Buying the Dip ففي كل تراجع سعري تفعل استراتيجيات شراء آلي للأسهم المتراجعة تقودها البنوك وشركات التأمين الإسرائيلية، وأكد الخزاعي أنه لا يوجد كيان مؤسسي واحد في إسرائيل تخلف عن الشراء أثناء التراجعات، وهذه التحركات المتزامنة تُرسل إشارات خاطئة، وتتيح مناعة نفسية مصطنعة لدى السوق، ويمنع الانهيار حتى لو كانت الأساسيات تشير إلى العكس. 

وتشير هذه المفارقة إلى أن السوق لا يتفاعل مع المؤشرات الاقتصادية بقدر ما يتفاعل مع سلوك المؤسسات الكبرى، التي تستطيع عبر أدوات مالية وسياسية ومعلوماتية التحكم في تدفق السيولة وثقة المستثمرين، وهذا الاتجاه يتمثل أيضاً في ارتفاع قيمة الشيكل بنسبة تجاوزت 6% مقابل الدولار منذ بداية عام 2025 رغم المديونية والعجز المالي.

أدوات فريدة

وبرأي الخزاعي يدعم هذا التوجه أدوات تداول فريدة لا تتوفر في معظم الأسواق العالمية، أبرزها آلية Protected Block Trading Facility التي أُطلقت في نوفمبر 2024، والتي تسمح بتنفيذ صفقات كبيرة تفوق مليوني شيكل خارج السوق المفتوح، دون أن تؤثر على الأسعار اللحظية أو تكشف نوايا المتداولين للمستثمرين الآخرين.

وتمنع هذه التقنيات برأي الخزاعي التأثير الفوري على الأسعار وتُمكِّن المؤسسات من ضخ أو سحب السيولة دون لفت الأنظار أو هزّ المؤشرات.

وشرح الخزاعي هذه الآلية تُمكّن كبار المالكين من الدخول والخروج دون أن يتسببوا في صدمة سعرية، ما يمنحهم قدرة شبه كاملة على إدارة الإيقاع السعري خاصة بظل ما وصفه الخزاعي بـ«التسعير الاحتمالي»، أي أن السوق يُسعّر بناءً على ما لم يحدث بعد أو بناء على سيناريوهات مخاطر افتراضية، «فالأسواق هنا تسعر زوال المخاطر وليس تحقيقاً حقيقياً للمكاسب» كما قال الخزاعي.

وختم أن هذا النموذج ليس كافياً لمناعة الأسواق، بل شكل من أشكال التعايش الاصطناعي مبني على أدوات سلوكية لا تعكس الاقتصاد الحقيقي برأيه.