كيف يمكن لدول المنطقة تحقيق التوازن بين حماية المستهلك واستدامة مصنّعي الأغذية؟

كيف يمكن لدول المنطقة تحقيق التوازن بين حماية المستهلك واستدامة مصنّعي الأغذية؟
سيف ربيع clock

سيف ربيع

الشريك التنفيذي، شركة لوجيك للاستشارات، الإمارات


تعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكلٍ كبير على استيراد الأغذية، ما يجعلها عُرضةً للتقلبات في سلاسل الإمداد العالمية. فقد تسببت الأزمات الجيوسياسية؛ من أزمة قناة السويس إلى الحرب في أوكرانيا، في تضخم أسعار المواد الغذائية بشكلٍ غير مسبوق، ما أدّى إلى تعرض كلٍ من المستهلكين ومصنّعي الأغذية لمخاطر اقتصادية. ولمجابهة ذلك، اتخذت حكومات المنطقة إجراءات للتحكم في الأسعار بهدف حماية المستهلكين من التضخم المرتفع. ورغم أهمية هذه التدابير، فإنها تضع ضغوطاً كبيرة على مصنّعي الأغذية المحليين، ما يهدد استدامتهم وقدرتهم على دعم الأمن الغذائي على المدى الطويل.

أعلنت وزارة الاقتصاد الإماراتية مؤخراً إلزامية مرور 6 أشهر بين كل زيادة سعرية للسلع الاستهلاكية الأساسية، ويهدف هذا القرار إلى منع التقلبات السعرية الناجمة عن العوامل الاقتصادية والسياسية الخارجية، مع الأخذ في الاعتبار أن على المنتجين تعديل أسعارهم في نهاية المطاف لمواكبة التكاليف المتزايدة. وبالمثل، اعتمدت وزارة التجارة في قطر نظاماً يتطلب الموافقة المسبقة على أسعار مجموعة واسعة من السلع والخدمات، وتهدف هذه اللوائح إلى حماية المواطنين من الصدمات الاقتصادية ومنع التضخم الاصطناعي وممارسات التسعير الاستغلالية.

لكن على الجانب الآخر، يجب الأخذ في الاعتبار أن المصنعين المحليين في المنطقة، بعكس الشركات العالمية متعددة الجنسيات، يعملون بهوامش ربح أقل ويتأثرون بشكلٍ أكبر بارتفاع تكاليف المواد الخام والنقل والخدمات اللوجستية.

وعندما تُفرض ضوابط أسعار صارمة دون آليات دعم متوازية، يواجه المنتجون المحليون خطر الخروج من السوق، ما يؤدي إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد وتقويض الأمن الغذائي.

ورغم أن ضوابط الأسعار تحمي المستهلك، فإنها في بعض الأحيان تكون على حساب مصنّعي الأغذية المحليين، حيث إنها تمنعهم من تمرير الزيادات في التكاليف إلى المستهلك، ما يؤدي إلى تقليص هوامش الأرباح، وهو ما يؤدي بدوره إلى تضاؤل الإنتاج وتدهور جودة المنتج وتحجيم عملية الاستثمار في الابتكار.

والنتيجة هي نظام غذائي يعتمد بشكلٍ متزايد على الموردين الأجانب، ما يزيد تعرُّض الدول لتقلبات الأسواق العالمية.

بالفعل، بدأت هذه المخاطر تتحقق على أرض الواقع في المنطقة؛ فقد اضطرت بعض الشركات إلى تقليل إنتاجها، ما قلّص التنوع المتاح في الأسواق، في حين لجأت شركات أخرى إلى استخدام مدخلات إنتاج أرخص على حساب الجودة.. وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يؤدي إلى انكماش قطاع تصنيع المواد الغذائية في المنطقة، وما يصاحبه من فقدان للوظائف وتراجع النشاط الاقتصادي.

ينبغي للحكومات إيجاد توازن بين الحفاظ على القدرة الشرائية للمستهلكين واستدامة الصناعة.

ضوابط الأسعار يجب أن تكون جزءاً من حزمة سياسات تتضمن أيضاً المرونة التنظيمية والحوافز المالية والاستثمارات في البنية التحتية لدعم المصنّعين المحليين.

وأثبتت أيضاً التجربة العملية أن نماذج ضبط التسعير شبه المنظمة هي الأفضل لأنها تسمح بتعديلات دورية وفقاً للتضخم وتوفّر آلية لاسترداد التكاليف مع حماية المستهلكين من التقلبات المفاجئة، كما أن الحوافز الضريبية يمكن أن تخفف من عبء ارتفاع الأسعار، عبر منح إعفاءات ضريبية للمصنّعين المحليين الذين يواجهون ارتفاعاً في أسعار التكاليف.

ممكن أيضاً أن تتضمن حزمة السياسات الداعمة خفض التعريفات الجمركية على مدخلات الإنتاج الرئيسية، مثل الأسمدة ومواد التغليف والأعلاف الحيوانية، لتقليل عبء التكاليف دون المساس بالاستدامة المالية للمنتجين، كما أن الاستثمار في تحسين الخدمات اللوجستية وشبكات التخزين البارد سيؤدي إلى تقليل خسائر النقل والتخزين، وبالتالي تسهم في استقرار الأسعار.

تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الوقت الحالي عند مفترق طرق، ويجب ألّا تُعتبر قضية الأمن الغذائي أزمة مؤقتة يتم معالجتها بتدابير قصيرة المدى. بدلاً من ذلك، يتعين تبنّي نهج شامل يوازن بين حماية المستهلك واستدامة المصنّعين المحليين، حيث إن عدم القدرة على دعم مصنّعي الأغذية المحليين سيؤدي إلى اختلالات سوقية ونقص في العرض وزيادة الاعتماد على الاستيراد، وهو ما لا يتماشى مع الرؤية طويلة الأجل لتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة.

الوقت قد حان لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استقرار السوق وتعزيز الإنتاج المحلي لمواجهة التحديات المستقبلية.