محفظة قادرة على مواجهة كافة الظروف السوقية!

محفظة قادرة على مواجهة كافة الظروف السوقية!
جاكوب فالكنكرون clock

جاكوب فالكنكرون

رئيس استراتيجيات الاستثمار العالمي في ساكسو بنك

استهل المستثمرون عام 2025 بثقة عالية، مراهنين على استمرارية الاستثنائية الأميركية، ومُعزَّزين بتفاؤل سادَ الأوساط حيال سياسات ترامب المرتقبة الداعمة لبيئة الأعمال، وتخفيف القيود التنظيمية، وخفض الضرائب، فضلاً عن الانطلاقة القوية لقطاع التكنولوجيا المدفوع بالذكاء الاصطناعي.

بيد أن حقائق الواقع سرعان ما فرضت نفسها؛ فالرسوم الجمركية الصارمة، والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وإعادة رسم خريطة التحالفات التجارية، والاندفاع المحموم نحو إعادة التوطين الصناعي، كل ذلك أربك الأسواق وزعزع استقرارها، وفي غضون ذلك بدأت الارتفاعات القوية التي تركزت في أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة تفقد بريقها.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

إن الدور التقليدي للولايات المتحدة كقاطرة للاقتصاد العالمي بات على المحك في ظل تباطؤ النمو بشكل حاد، وانعكاس حالة من القلق المتزايد إزاء مخاطر الركود على معنويات قطاع الأعمال والمستهلكين، ما أدى بدوره إلى تفاقم حدة التقلبات في الأسواق، لقد أصبح المسار الاستثماري -الذي كان يبدو واضح المعالم سابقاً، والمتمثل في الاستثمار المباشر في عدد محدود من عمالقة التكنولوجيا وترقب النمو شبه التلقائي- أكثر تعقيداً والتباساً بشكل ملحوظ.

ويبدو أن حقبة المكاسب اليسيرة قد انقضت، فبعد عامين من العوائد الاستثنائية في أسواق الأسهم، والتي تجاوزت 20%، تجد الأسواق نفسها الآن أمام وقفة ضرورية مع الواقع، لقد حان الوقت ليُعيد المستثمرون تقييم توقعاتهم، ومع ذلك فإننا لا نزال نلمس فرصاً لتحقيق مكاسب إضافية في أسواق الأسهم خلال الفترة المقبلة، غير أن اقتناص هذه الفرص سيكون على الأرجح أكثر صعوبة ومحفوفاً بتقلبات أشد.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

التنويع.. حصنك المنيع في مواجهة التقلبات المستمرة

عقب سنوات من المكاسب غير المسبوقة التي قادتها نخبة من عمالقة التكنولوجيا، بات التنويع ضرورة لا غنى عنها، حيث تشهد الأسواق موجة عاتية من التقلبات، تغذيها التوترات الجيوسياسية المتفاقمة، والمخاوف من شبح الركود، والسياسات الأميركية الحادة التي تعيد صياغة العلاقات التجارية العالمية.

إن تركّز العوائد الذي ساد في السنوات الماضية ينطوي الآن على مخاطر جمّة، ما يفرض أكثر من أي وقت مضى أهمية بناء محفظة استثمارية متوازنة بدقة، نتوقع استمرار هذه الموجة من التقلبات الكبيرة.

ولكن لا ينبغي النظر إلى التقلبات كعامل سلبي بحت، فهي في كثير من الأحيان الثمن الذي يدفعه المستثمرون نظير العوائد المستقبلية، ولتحقيق النجاح في البيئة الراهنة، يتعين على المستثمرين انتهاج استراتيجية تنويع حصيفة، تتجاوز حدود السوق الأميركية و"السبعة الكبار" لتشمل الأفق الأوسع المتمثل في "الـ2,645 شركة الرائدة"، وهو إجمالي عدد الشركات المدرجة ضمن مؤشر MSCI العالمي لجميع الدول.

يسهم التنويع واسع النطاق عبر مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية بشكل كبير في تخفيف حدة المخاطر، وتلطيف تذبذب العوائد، وتعزيز قدرة المحافظ الاستثمارية على الصمود في وجه صدمات السوق، وفي أوروبا يكتسب التوجه نحو "الاستقلالية الاستراتيجية" –المدفوع بحالة عدم اليقين الجيوسياسي وبرامج التحفيز المالي الضخمة– جاذبية خاصة للأسهم الأوروبية.

وفي الوقت نفسه، فإن التحول الاستراتيجي للصين نحو نموذج نمو قائم على الاستهلاك المحلي يفتح آفاقاً لفرص واعدة في قطاعات مختارة، غير أن التنويع لا يقتصر على فئة الأسهم وحدها؛ فأدوات الدخل الثابت ذات الجودة الائتمانية العالية –كالسندات الحكومية، والسندات المرتبطة بمعدلات التضخم، والسندات المصنفة ضمن الدرجة الاستثمارية– تؤدي دوراً محورياً في المحافظ الاستثمارية خلال فترات التقلب المتزايد.

ومع تصاعد مخاطر الركود، يصبح تخصيص جزء من الاستثمارات لأدوات الدخل الثابت أمراً جوهرياً للحد من التقلبات، وصون رأس المال، وتحقيق عوائد مستقرة، لا سيما في حال تدهور الأوضاع الاقتصادية.

تعمل السندات بمثابة ركيزة استقرار، حيث تسهم في موازنة خسائر الأسهم خلال فترات التراجع السوقي، وتمنح المستثمرين القدرة على البقاء في السوق وتجنب اتخاذ قرارات متسرعة تحت وطأة تقلبات السوق الحادة.

محفظة قادرة على مواجهة كافة الظروف السوقية!

بناء محفظة استثمارية طويلة الأجل.. اجتياز تحديات التقلبات والمخاطر

سعياً للجمع بين استقرار التنويع الشامل ومرونة اقتناص الفرص الجذابة قصيرة الأجل، يمكن للمستثمرين تبني "منهجية المحور والمراكز الداعمة" (core/satellite approach) في بناء محافظهم، ومن الأمثلة الشائعة على ذلك تخصيص نسبة 80% للمحور الأساسي و20% للمراكز التكتيكية الداعمة.

• المحور الأساسي للمحفظة (نحو 80%): يُصمم المحور الأساسي –الذي يشكل قرابة 80% من إجمالي المحفظة– ليكون بمثابة أساس متين ومتنوع قادر على مواجهة كل الظروف السوقية ("all-weather")، يهدف هذا الجزء إلى تحقيق التوازن بين المخاطر عبر مختلف فئات الأصول والمناطق الجغرافية، ما يوفر للمحفظة صلابة على المدى الطويل ويعزز قدرتها على امتصاص الصدمات السوقية والاضطرابات الاقتصادية.

المراكز التكتيكية الداعمة (نحو 20%): يمكن توجيه نسبة الـ20% المتبقية نحو مراكز تكتيكية مبنية على قناعة راسخة (high-conviction) وتنطوي على إمكانات نمو قوية على المدى القصير إلى المتوسط، الغرض من هذه المراكز الداعمة هو اقتناص الفرص الناشئة من التوجهات السوقية المستجدة، أو عمليات التناوب القطاعي، أو التحولات في بيئة الاقتصاد الكلي، وذلك دون المساس بعامل الاستقرار العام للمحفظة ككل.

أبرز اختياراتنا التكتيكية للربع الثاني من 2025، واستراتيجيات الاستثمار المقترحة

1. الاستقلالية الأوروبية.. الاستثمار في زخم التوجه الأوروبي نحو الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي

توصية بزيادة الوزن النسبي (Overweight): تشهد القارة الأوروبية تحولاً جذرياً نحو تعزيز استقلاليتها وقدرتها على الاعتماد على الذات، وهو توجه تمليه عوامل عدة أبرزها تراجع الالتزامات الأمنية الأميركية، وتنامي ظاهرة الانكفاء عن العولمة، والسعي الحثيث لتحقيق المرونة الاقتصادية، وقد أفضى ذلك إلى ضخ استثمارات غير مسبوقة في قطاعات الدفاع والبنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، مدعومة بمبادرات طموحة كخطة التحفيز المالي الألمانية وصندوق الدفاع الأوروبي، مع ميل واضح لتفضيل الموردين الأوروبيين على نظرائهم الأميركيين.

يوفر هذا التوجه للمستثمرين فرص نمو واعدة، تستند إلى تمويل حكومي ضخم وزخم سياسي قوي، ومن المتوقع أن تجني الشركات ثمار جهود إعادة التوطين الصناعي، والاستثمارات المحلية، والتحولات في أذواق المستهلكين.

• مخاطر جديرة بالمتابعة: يتوقف نجاح هذا المسار على قدرة أوروبا على تنفيذ خططها للتوسع المالي بكفاءة وفعالية، فارتفاع عوائد السندات أو ظهور انقسامات سياسية داخل الاتحاد قد يبطئ وتيرة التقدم ويضعف ثقة المستثمرين.

• استراتيجية الاستثمار المقترحة: الاستثمار في سلة الأسهم الأوروبية المنتقاة التي صممناها للاستفادة المباشرة من مساعي أوروبا نحو الاستقلالية الاستراتيجية، كما يمكن تحقيق انكشاف مباشر على هذا التوجه من خلال صناديق المؤشرات المتداولة المتخصصة في القطاعات المعنية (sector-focused ETFs)².

2. البنوك الأوروبية.. في وضع يتيح لها تعزيز الربحية

• توصية بزيادة الوزن النسبي (Overweight): تقف البنوك الأوروبية في موقع متميز للاستفادة بصورة كبيرة من برامج التوسع المالي القوية في أوروبا، فالتقييمات المغرية، وتحسن الأوضاع الائتمانية، واتساع هوامش الفائدة، تجعل هذا القطاع ذا جاذبية استثمارية متزايدة بالتزامن مع اكتساب الانتعاش الاقتصادي الأوروبي زخماً إضافياً.

• مخاطر جديرة بالمتابعة: تواجه البنوك الأوروبية مخاطر ناجمة عن التوترات الجيوسياسية، واحتمال تشديد اللوائح التنظيمية، والتباطؤ الاقتصادي، ما قد يلقي بظلاله على قوة ميزانياتها العمومية وربحيتها، كما أن أي تأخير في تنفيذ حزم التحفيز قد يؤثر سلباً على وتيرة نمو الائتمان.

•استراتيجية الاستثمار المقترحة: يمكن تحقيق الانكشاف على هذا القطاع من خلال صناديق المؤشرات المتداولة مثل Amundi STOXX Europe 600 Banks UCITS ETF، الذي يتيح الاستفادة من فرص النمو المتنوعة في القطاع المصرفي مع تعافي الاقتصاد الأوروبي.

3. قطاع الرعاية الصحية.. ملاذ دفاعي آمن في ظل الضبابية الاقتصادية

• توصية بزيادة الوزن النسبي (Overweight): يواصل قطاع الرعاية الصحية تصدره لقائمة القطاعات العالمية الأفضل أداءً منذ مطلع العام، ما يعكس إقبال المستثمرين على الملاذات الدفاعية في ظل فتور النشاط الاقتصادي وتزايد حالة عدم اليقين، وبفضل محركات النمو الهيكلية الداعمة، مثل التغيرات الديموغرافية المتمثلة في شيخوخة السكان، يوفر القطاع استقراراً جذاباً، وتدفقات نقدية منتظمة، وصلابة في توزيعات الأرباح، ما يزيد من جاذبيته بشكل خاص في ظل تصاعد مخاطر الركود.

• مخاطر جديرة بالمتابعة: المخاطر المرتبطة بالسياسات، كتلك المتعلقة باحتمالات تنظيم أسعار الأدوية أو إدخال تغييرات على برامج الإنفاق الحكومي في مجال الرعاية الصحية، قد تؤثر على ربحية القطاع، كما تمثل المنافسة المحتدمة، خاصة في مجالات النمو الواعدة كعلاجات السمنة، تحدياً قائماً.

• استراتيجية الاستثمار المقترحة: ينصح بالنظر في صناديق المؤشرات المتداولة التي توفر انكشافاً عالمياً على القطاع، ومن الأمثلة على ذلك صندوق Xtrackers MSCI World Health Care UCITS ETF، الذي يتيح انكشافاً واسع النطاق على قطاع الرعاية الصحية حول العالم.

4. الأسهم الصينية.. الاستثمار في زخم الاستهلاك المحلي

• توصية بزيادة الوزن النسبي (Overweight): تتيح استراتيجية النمو الصينية الجديدة، المرتكزة على تحفيز الاستهلاك المحلي، بالإضافة إلى برامج الدعم الحكومي، فرصاً استثمارية مغرية في قطاعي الاستهلاك والتكنولوجيا، لا سيما بالنظر إلى مستويات التقييم الجذابة الحالية.

• مخاطر جديرة بالمتابعة: يتعين على المستثمرين توخي الحذر وانتهاج نهج انتقائي، نظراً لاستمرار التحديات الهيكلية، وبالأخص هشاشة القطاع العقاري والتوترات الجيوسياسية القائمة، كما أن حالة عدم اليقين التنظيمي قد تحد من ثقة المستثمرين الأجانب وتعوق مسار النمو.

• استراتيجية الاستثمار المقترحة: على سبيل المثال، يمكن للمستثمرين تحقيق الانكشاف على هذا التوجه عبر صناديق المؤشرات المتداولة مثل iShares MSCI China UCITS ETF، الذي يوفر وصولاً متنوعاً إلى الشركات الصينية المؤهلة للاستفادة من النمو المدفوع بالاستهلاك المحلي، استجابةً للتوجهات السياسية الجديدة في الصين.

خلاصة.. على الرغم من تصاعد حدة المخاطر، فإننا لا نزال نرجح استمرار المنحى الصعودي للأسواق، وإن كنا نتوقع أن يتخلل هذا المسار تقلبات عالية. يجد المستثمرون أنفسهم أمام بيئة استثمارية سريعة التغير، تتسم بتزايد احتمالات الركود، والاضطرابات الجيوسياسية، والتحولات في السياسات المالية، وفي هذا السياق يصبح التنويع الاستراتيجي، وتبني المواقع الدفاعية، والانكشاف المدروس على الأسواق الدولية، عناصر حاسمة لاجتياز مرحلة التقلبات وعدم اليقين التي تلوح في الأفق، في ظل هذه البيئة التحويلية يعد التحلي بالمرونة والانضباط أمراً جوهرياً، فقد ولّت أيام المكاسب السهلة، لتحل محلها بيئة استثمارية أكثر تحدياً، ولكنها لا تزال تزخر بالفرص، تأكد من جاهزية محفظتك الاستثمارية لمواجهة هذه المرحلة، وفي هذا المسعى؛ فإن التنويع الممنهج ليس مجرد خيار حصيف، بل هو ضرورة حتمية.

إخلاء المسؤولية: إن الإشارة إلى صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة (ETFs) في هذا التقرير هي لأغراض إعلامية وإرشادية محضة، وقد تم اختيار هذه الأمثلة بناءً على درجة انكشافها على فئة الأصول أو التوجه السوقي المعني، بالإضافة إلى عوامل السيولة والتسعير، ولا تمثل هذه الصناديق سوى أمثلة توضيحية، وقد تتوفر منتجات مالية أخرى توفر انكشافاً مماثلاً، ويتوجب على المستثمرين إجراء أبحاثهم الخاصة وتقييم ظروفهم المالية الشخصية بعناية قبل اتخاذ أي قرارات استثمارية.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.