ترامب والأمم المتحدة.. من يجني أرباح التقشف الكبير؟

ترامب والأمم المتحدة.. من يجني أرباح التقشف الكبير؟ (أرشيفية)
ترامب والأمم المتحدة.. من يجني أرباح التقشف الكبير؟
ترامب والأمم المتحدة.. من يجني أرباح التقشف الكبير؟ (أرشيفية)
أيمن صالح clock

أيمن صالح

مساعد رئيس تحرير CNN الاقتصادية

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفكر بمنطق رجل أعمال وبعقيدة الشركات المساهمة لا المؤسسات الاجتماعية، ولعل ما يعزز صدق تلك الفرضية هي قرارات ترامب سواء الجمركية أو ما يحمله رأس الرئيس تجاه تمويل المنظمات التابعة للأمم المتحدة، خاصة ما يتعلق بالتمويل.

تمويل المنظمات التابعة للأمم المتحدة داخل أو خارج أميركا حيث يطول، لكن يهمني أولاً الإشارة إلى وصف الاقتصادي الفرنسي توما بيكيتي، مؤلف كتاب «رأس المال في القرن الـ21»، حين لخص تعليقه حول سياسات ترامب الاقتصادية بـ«الترامبية»، مبرراً له مواقفه قائلاً هو رد فعل مباشر على فشل السياسات الريغانية، في إشارة إلى النهج الليبرالي الذي تبناه الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان خلال ثمانينيات القرن الماضي.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

في القرن الماضي كانت الولايات المتحدة الأميركية تتباهي باحتضان أكبر عدد من المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وبخلاف شغف النفوذ، فإن لتلك المؤسسات فوائد اقتصادية عديدة، فالوقع الدولي يؤكد أن استضافة مقر أو مكتب للأمم المتحدة ترفع من مكانة الدولة في المجتمع الدولي، وتوفر لها فرصة للتأثير في القرارات السياسية والاقتصادية، كذلك توفر فرص عمل وتحدث حركة اقتصادية في الدولة بسبب وجود عدد كبير من الموظفين والزوار أيضاً، كما أن وجود مكاتب الأمم المتحدة يمكن أن يسهم في تطوير البنية التحتية والخدمات الاجتماعية في المنطقة المضيفة، كما أن استضافة مكتب للأمم المتحدة تسهل التواصل مع المنظمات الدولية الأخرى والوصول إلى شبكة واسعة من الخبراء على مستوى العالم.

العالم في ولاية ترامب الثانية في طريقه إلى تغيير هو الأسوأ في تاريخ البشرية، وأغلب الظن أن أميركا الترامبية قد تفقد عرش السيادة الدولية لأحد أبرز أسلحة القوى الناعمة المتمثل في الأمم المتحدة وهيئاتها، وقد تتبعها أوروبا إلى هذا المسار، وهنا استوقفني منشور لصديقي الدكتور أشرف عبد العال ‏مسؤول الشؤون الاقتصادية‎‏ لدى ‏‎مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) على صفحته الشخصية بفيسبوك، يشير خلاله إلى أن دولاً بالشرق الأوسط، ومنها مصر ودولة الإمارات وقطر وغيرها من الدول العربية، أمام فرصة ذهبية لاستقطاب واستضافة مكاتب الهيئات التابعة للأمم المتحدة، خاصة بعد بادرة رواندا ذلك النمر الإفريقي الصاعد بقوة بين الاقتصادات الناشئة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

الاقتصادات الناشئة في ظني أنها حقاً أمام فرصة منزوعة المخاطر، فمصر التي أقامت عاصمة إدارية جديدة عليها أن تسعى جاهدة لطلب استضافة أكبر عدد من تلك المكاتب التي ستخرج من أوروبا أو أميركا، ولمَ لا؟ والفوائد لا حصر لها كي تستطيع القاهرة أن تنمي سياحة المؤتمرات لديها، وليس نموذج دبي ببعيد عما نتحدث عنه، فهي عاصمة المؤتمرات في الشرق الأوسط.

في الشرق الأوسط نفتقر إلى أدوات التنقيب الحقيقية عن الأرقام، فعلى موقع البيت الأبيض نشرت مذكرة مرسلة من بيت استضافت ترامب الرئيس إلى الكونغرس الأميركي بتاريخ 2 مايو 2025، تطالب الإدارة الأميركية برزمة تخفضيات هائلة لإلغاء معظم المساهمات الطوعية والمفروضة على الولايات المتحدة لصالح الأمم المتحدة ومنظماتها، بما في ذلك الميزانية العادية، منظمة الصحة العالمية، واليونسكو، فماذا قالت الأرقام؟

الأرقام المقترحة بميزانية 2026 تطالب بخفض تمويل بعثات حفظ السلام الدولية بمقدار 1.6 مليار دولار، بسبب ما اعتُبر إخفاقات متكررة وارتفاع التكاليف، إضافة إلى اتهامات تتعلق بالتهريب والفساد، كذلك إلغاء برامج المساعدات الاقتصادية والإنمائية المرتبطة بقضايا تغير المناخ، المساواة، وحقوق المثليين، بدعوى عدم توافقها مع أولويات الإدارة الجديدة، مع إعادة هيكلة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) عبر دمجها في وزارة الخارجية، مع إلغاء الوظائف والبرامج القائمة على مفاهيم مثل «التمييز الإيجابي» و«التنوع»، هل توقفت هنا تطلعات ترامب التقشفية؟

التقشف ليس من سمات ترامب الشخصية، بحسب روايات ومقربين من الرئيس الذي أسهم ورجاله في إعداد باقة تتعلق بتقليص تمويل المساعدات الإنسانية الدولية «بما في ذلك مساعدات اللاجئين والكوارث»، مع الإبقاء فقط على التمويل الذي يخدم السياسة الخارجية الأميركية، ويتم استخدامه حسب تقدير الرئيس.

الرئيس الأميركي يرى ضرورة خفض المساهمات المفروضة والطوعية للأمم المتحدة والمنظمات الدولية بمقدار 1.7 مليار دولار، كذلك تخفيض مخصصات بعثات حفظ السلام الدولية بمقدار 1.6 مليار دولار، كذلك خفض برامج المساعدات الإنسانية الدولية «الكوارث، اللاجئين، الطوارئ»، بمقدار 3.2 مليار دولار، ويشمل تقليص برامج متعددة ودمجها في حساب جديد بقيمة 2.5 مليار دولار يخضع لتقدير الرئيس.

الرئيس الأميركي أيضاً استهدف برامج الدعم الاقتصادي والتنمية والديمقراطية بتخفيض قدره 8.3 مليار دولار، كذلك برامج مكافحة المخدرات الدولية بتخفيض 1.16 مليار دولار، ولم تفلت برامج التبادل الثقافي والتعليمي من تخفيضات ترامب، مطالباً بتخفيض بمقدار 691 مليون دولار، و برامج مبادرات الانتقال السياسي بتخفيض نحو 75 مليون دولار، كذلك صندوق الأزمات المعقدة بتخفيض 55 مليون دولار والصندوق القومي للديمقراطية بتخفيض 315 مليون دولار وبرامج الصحة العالمية وتنظيم الأسرة بتخفيض 6.2 مليار دولار، وبرنامج الغذاء من أجل السلام بتخفيض بمقدار 1.61 مليار دولار، كذلك المساهمة في الصناديق البيئية وصناديق المناخ بتخفيض بمقدار 275 مليون دولار، أيضاً مخصصات المساهمة في بنوك التنمية متعددة الأطراف «مثل البنك الإفريقي للتنمية» بتخفيض بمقدار 555 مليون دولار، أيضاً برامج الخزانة الدولية الأخرى «مثل إعادة هيكلة الديون، وتمويل الزراعة العالمية» بتخفيض بمقدار 86 مليون دولار، كل هذه التدابير إن جاز وصفها لإعادة تركيز التمويل نحو استثمارات تحقق عائداً مباشراً لأميركا.

أميركا وسط زخم وزحام هذه الأرقام تتخلى عن الأمم المتحدة ومكاتبها كما تمويلها طواعية، لتصبح الفرصة سانحة وبقوة للاقتصادات الناشئة في جذب تلك المكاتب إليها، خاصة أن الصديق اللدود لأميركا في أقصى الشرق «الصين» سيمول تلك المنظمات بقوة لرفع حصته الطوعية من 15.25% والمقدرة بالدولار بنحو 465 مليون دولار بميزانية الأمم المتحدة في 2024، لأكثر من 22% هي حصة أميركا قبل طلبات ومقترحات ترامب، فمن يقتنص الفرصة أم تفوز رواندا مجدداً؟