في لحظة لم يكن يتوقعها كثيرون، أعلن الطرفان، إسرائيل وإيران، توقف الحرب التي كانت تلوح في الأفق منذ سنوات، وتجسدت في صراعات مباشرة وغير مباشرة عبر عدة ساحات، هذا الإعلان، وإن بدا سياسياً في مظهره، إلا أنه يحمل بين طياته تحولاً أعمق في موازين القوى ومفهوم الأمن الإقليمي، ويعكس بداية مرحلة جديدة قد تعيد رسم خريطة المصالح والتفاعلات في الشرق الأوسط.
الحرب التي خيم شبحها طويلاً على المنطقة، وأثقلت اقتصاد الدول بالاستعدادات والتوجس، توقفت بعد أن بلغت التكلفة المحتملة حدوداً لم تعد تحتمل، الخسائر الاقتصادية، واستنزاف الموارد، والقلق الشعبي، والضغوط الدولية المتزايدة، دفعت الجميع لإعادة الحسابات، إسرائيل التي طالما تبنّت مواقف حادة تجاه التوسع الإيراني في سوريا ولبنان، وجدت نفسها أمام واقع جديد لا يحتمل مزيداً من التصعيد، أما إيران، التي تعاني من ضغوط داخلية واقتصادية خانقة، فقد أدركت أن مواجهة مفتوحة ستكون مغامرة غير محسوبة في وقت يسعى فيه الشعب الإيراني إلى إصلاح الداخل قبل الاشتباك في الخارج.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
مع توقف الحرب، بدأت مؤشرات الاستقرار الجيوسياسي تلوح في الأفق، تراجعت أسعار التأمين على السفن العابرة للخليج، وارتفعت مؤشرات أسواق الأسهم في دول الخليج، وتزايدت حركة رأس المال الباحث عن مناطق آمنة للاستثمار، المستثمر الذي طالما ابتعد عن الشرق الأوسط خشية الانفجارات المفاجئة، بدأ يعيد النظر في معادلة المخاطر والعوائد، فكلما اقتربت السياسة من التهدئة، اتسع أفق الاقتصاد.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية والإمارات، ستكون من أكبر المستفيدين من هذا التغيير، فالموقع الجغرافي والقدرات الاقتصادية والاستعداد المسبق لرؤية تنموية شاملة يجعلها في مقدمة الدول القادرة على استثمار الاستقرار في بناء اقتصادات متنوعة وفاعلة، لن تكون هذه فرصة لتعزيز النفط والغاز فقط، بل لإحياء مشاريع التكامل الإقليمي في الطاقة، والسياحة، والنقل، والبنية التحتية، التي طالما أعاقها شبح النزاعات.
لكن التفاؤل لا يعني الغفلة، فالتاريخ يعلمنا أن الهدوء في الشرق الأوسط هش، وأن بؤر التوتر لا تُطفأ بقرار سياسي بل تحتاج إلى منظومة ثقة متكاملة، أي تراجع في الالتزامات أو محاولة التفاف من أحد الأطراف قد يعيدنا إلى نقطة البداية، المطلوب الآن ليس مجرد وقف إطلاق النار، بل وقف التصعيد كفكر ونهج، واستبداله بإرادة سياسية قائمة على التعاون لا العداء، وعلى المصالح المتبادلة لا المحاور المتصارعة.
ربما تكون هذه اللحظة بداية جديدة، وربما تكون استراحة محارب، لكن ما لا شك فيه أن توقف الحرب أعطى شعوب المنطقة نافذة صغيرة لتتنفس، واقتصاداتها فسحة لتتعافى، وأعطى العالم مثالاً على أن أكثر الصراعات استعصاءً يمكن أن تجد طريقها إلى التهدئة، متى ما أدركت الأطراف أن لا منتصر في الحروب، وأن السلام رغم تكلفته السياسية يظل الاستثمار الأذكى على المدى البعيد.
تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.