دفعت التطورات الأخيرة غير المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط الشركات إلى إعادة تقييم كيفية تعاملها مع المخاطر المؤسسية، وتواجه الشركات الآن تهديدات تتجاوز بكثير حدود الاهتمامات التجارية التقليدية، بدءاً من حوادث الأمن البحري إلى تأثير الاضطرابات في المناطق الهشة في إفريقيا. وأصبحت عمليات الإجلاء، وسلامة الموظفين، والاستجابة السريعة للأزمات مجالات اهتمامات رئيسية، ومع ذلك -ورغم تزايد الحاجة الملحة- لا تزال العديد من الشركات غير مستعدة للقيام بواجبها الأساسي في رعاية موظفيها خلال عملياتها اليومية، ناهيك عن واقع الاستجابة الفورية للصراعات أو الأحداث ذات التأثيرات القوية. وتعد جوانب الاستعداد والتأخير من أكثر حالات الفشل شيوعاً في إدارة الأزمات المؤسسية، ولا تدرك العديد من الشركات ماهية إدارة الأزمات، لذا من السهل فهم سبب عدم استعدادها لها، وتنتظر العديد من الشركات الأخرى وقتاً طويلاً جداً قبل أن تأخذ أي خطوة، وغالباً يحصل ذلك على أمل أن تنقضي الأحداث المسببة لعدم الاستقرار بطريقة أو بأخرى، وبحلول الوقت الذي يدرك فيه المعنيون خطورة الموقف، تكون نافذة الإجلاء الآمن للموظفين قد ضاقت بالفعل بشكل كبير إن لم تكن قد أغلقت، ومع تدهور الظروف يصبح الوصول إلى الطائرات محدوداً بشكل متزايد، وقد لا تكون الطرق البرية مجدية، ويمكن أن ترتفع التكاليف المرتبطة بجهود الإجلاء بشكل كبير، ويمكن التخفيف من حدة هذه المشكلة من خلال التخطيط المبكر للاستجابة لها، وتحديد عتبات صنع القرار المحددة مسبقاً، والاستخدام المتسق لمعلومات استخباراتية أمنية عالية الجودة وفي الوقت المناسب، وعندما تحدد الشركة بوضوح النقاط الحرجة التي تحدد وقت التصرف، يتم إزالة التخمين ويصبح الإجراء الحاسم ممكناً.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
ومن الضروري فهم الفرق بين إدارة مخاطر السفر وإدارة الأزمات، إذ إن إدارة مخاطر السفر تتعلق بالجانب الوقائي من العمليات اليومية، وهي الإجراءات الوقائية التي تهدف إلى الحد من المخاطر قبل وقوع أي حادث، مع تطبيق واجب الرعاية الذي تلتزم به كل شركة تجاه موظفيها، وعلى النقيض من ذلك تبدأ إدارة الأزمات عندما يحدث خطأ ما وتصبح خطط الطوارئ -المُعدّة لحالات الطوارئ- غير قابلة للتطبيق، ويجب التعامل مع كلتا الحالتين على أنهما منفصلتان، ولكنهما، كسائر مجالات الأعمال، عمليتان مترابطتان. والأهم من ذلك، يجب على الشركات التحقق من صحة كلتيهما بانتظام، وتُعد التمارين المكتبية، واستعراض السيناريوهات، ومراجعات السياسات المنظمة أفضل الطرق لتقييم مدى متانة وقوة الأنظمة بما يكفي للاستجابة للمواقف غير المتوقعة والمتقلبة.
وغالباً ما يكون الوصول إلى معلومات استخباراتية أمنية ميدانية موثوقة وفي الوقت المناسب عاملاً مسهماً رئيسياً في نجاح إدارة الأزمات، ويجب على أي شركة تأخذ واجبها في الرعاية على محمل الجد أن تفهم الظروف المحلية قبل نشر وتوزيع موظفيها، وأن تواصل مراقبة الوضع فور وصولهم إلى الميدان. ويتيح الوعي الفوري لصانعي القرار التصرف بوضوح، كما أنه يسمح لفرق الأمن والعمليات بتعديل خططها قبل أن تخرج الأحداث عن السيطرة، وإن انتظار الأحداث الرئيسية لا يمكن أن يكون استراتيجية ناجحة، ويجب أن يكون الرصد الاستباقي جزءاً دائماً من العمليات في المناطق الجغرافية الهشة أو الحساسة، ولكن هذا وحده لا يكفي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
يذكر أن هناك نقطتي سوء فهم شائعتين تتكرران في مجالس الإدارة عند التطرق إلى موضوع سلامة الموظفين، أولاهما هي الاعتقاد بأن جهة ما في المؤسسة تُدير هذا الأمر بالفعل، ففي العديد من الشركات تكون المسؤوليات غامضة، وبينما قد يراقب شخص ما إجراءات السفر أو العمليات بشكل غير رسمي، إلا أنه لا توجد هناك مساءلة واضحة، وهذا ليس مجرد سهو إجرائي، ففي المحاكم أو التحقيقات التنظيمية، يتحمل صاحب القرار الأعلى المسؤولية في النهاية، أما نقطة سوء الفهم الثانية فهي أن إدارة المخاطر لا تنطبق إلا على الأماكن الخطرة بشكل واضح.
وفي الواقع، تتمتع كل مدينة رئيسية بمخاطرها الخاصة بها، بدءاً من الجرائم الانتهازية إلى حوادث النقل، ولا تقتصر إدارة مخاطر السفر على مناطق الحرب، بل تنطبق على كل مكان يسافر إليه الموظفون للعمل.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن طبيعة المخاطر لم تتغير، لكن تطور شكلها. وأصبح عدم الاستقرار السياسي، والمخاطر الصحية، والمراقبة الرقمية، والتضليل الإعلامي جزءاً لا يتجزأ من بيئة المخاطر، ويزداد وعي قادة الشركات بالتزاماتهم تجاه موظفيهم بشكل تدريجي، وإن كان هذا الوعي غالباً ما يأتي متأخراً وبتكلفة باهظة، وقد واجهت الشركات التي تجاهلت هذه المسؤوليات في الماضي دعاوى قضائية، وتضررت سمعتها، أو ما هو أسوأ. وفي مثال حديث، توفي متطوع إنساني بسبب الملاريا الدماغية في مكان معروف بقلة الخدمات الطبية وصعوبة الوصول إليها، وتم إلقاء المسؤولية القانونية على المنظمة التي يتبع لها، رغم نيتها فعل الخير، والرسالة واضحة هنا: المسؤولية دون استعداد لا تكفي.
وتُسهم التكنولوجيا في سد بعض هذه الفجوات، إذ تُتيح تطبيقات الهاتف المحمول المُصممة لإدارة مخاطر السفر لأصحاب العمل منح موظفيهم إمكانية طلب المساعدة بسرية تامة، كما تُوفر هذه الأدوات تحديثات بناءً على الموقع، وتُساعد الشركات على الاستجابة بشكل أسرع عند حدوث أي مشكلة، ومع ذلك لا تُعدّ الأدوات وحدها حلاً كافياً، إذ يجب أن يدعم التدريب والتحضير والبروتوكولات الواضحة استخدام التكنولوجيا، ففعالية الأنظمة تعتمد على فعالية الأشخاص الذين يستخدمونها.
وهناك عدة خطوات عملية يمكن للشركات اتخاذها الآن لتعزيز مرونتها، أولاها وضع سياسات رسمية لإدارة السفر والأزمات وصيانتها باستمرار. وينبغي أن تدعم هذه السياسات إجراءات موثقة ومفهومة من قبل الإدارة والموظفين على حد سواء. وثانياً، يجب أن يكون التدريب مُوجهاً، إذ تحتاج فرق العمل المكتبية إلى وعي أساسي بالسلامة، بينما تتطلب فرق المهام ذات المخاطر العالية إعداداً أكثر تقدماً. وثالثاً، ينبغي على الشركات بناء معلومات أمنية موثوقة في جميع مراحل سفر الموظفين، بدءاً من التخطيط إلى مرحلة التنفيذ والمراجعة. ورابعاً، يجب تزويد كل موظف بأداة أو منصة تُتيح التواصل معه ومراقبته في حالات الطوارئ. وأخيراً، يجب ألا تبقى خطط الطوارئ نظرية، بل يجب اختبارها وتحديثها والتدرب عليها بانتظام.
وفي الختام، لم يعد بإمكان الشركات الاعتماد على الحظ أو الافتراضات، حيث يُظهر المناخ الجيوسياسي الحالي بوضوح أن الأمن التشغيلي ليس مسألة يمكن تركها للمستقبل، بل هي مسؤولية آنية وعاجلة، ومن يُجهّز نفسه مُسبقاً سيتمكن من حماية موظفيه وأعماله وسمعته، أما من لا يستعد مُسبقاً فقد يجد أن تكلفة التأخير تتجاوز مجرد التكلفة المالية، بل قد تنطوي على مخاطر جمة تطال المسؤولية، وربما الأرواح.