حين يفكر الذكاء الاصطناعي.. من يُمسك بزمام القرار؟

حين يفكر الذكاء الاصطناعي.. من يُمسك بزمام القرار؟
حسين بن حمد الرقيب clock

حسين بن حمد الرقيب

كاتب اقتصادي ومدير مركز زاد للاستشارات

في عالم يتسارع نحو الرقمنة والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، بدأت تظهر ملامح خطر خفي لا يتعلق بما يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله، بل بما قد يفعله من دون وعي أو ضمير، فقد باتت الخوارزميات قادرة على اتخاذ قرارات تتجاوز سرعة الإنسان، لكن ما يغيب عن الأذهان هو أن هذه القرارات قد لا تكون دائماً عادلة أو أخلاقية.

الآلة لا تُفكر كما يُفكر البشر، بل تُحلّل بناءً على بيانات ضخمة ونماذج إحصائية، وتُصنّف الإنسان لا ككائن معقد، بل كأنماط سلوكية وأرقام، تراه من خلال سجل بحثه، ومشترياته، وانفعالاته على الشاشة، وإذا أرادت التأثير عليه، فهي لا تناقشه، بل تزرع له ما يريد أن يراه، وتدفعه بلطف نحو الرأي الذي خُطط له، وهكذا يُعاد تشكيل وعيه من حيث لا يدري.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

بل الأخطر من ذلك، أن هذه التقنية أصبحت قادرة على تركيب الأصوات وإنشاء صور ومقاطع فيديو تحاكي الواقع بدقة مخيفة، تُظهر أشخاصاً يقولون ما لم يقولوه، أو يفعلون ما لم يفعلوه، في زمن “التزييف العميق” لم يعد التحقق كافياً، ولم يعد التلاعب محدوداً بالنصوص، بل أصبح مرئياً ومسموعاً وقادراً على تحريك الجموع، وربما يدفع الذكاء الاصطناعي مراهقاً لتبني فكرة متطرفة، أو اتخاذ قرار انفعالي، بعد أن يُغذى بما يُناسب حالته النفسية وما يُثير فضوله، هو لا يُخطئ بقصد، لكنه أيضاً لا يُراعي هشاشة النفس البشرية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

لكن في خضم هذا الانبهار بالتقنية، ثمة غفلة جماعية عن سؤال جوهري: من يكتب للآلة معاييرها؟ ومن يغديها بقيمها؟ فالذكاء الاصطناعي ليس كياناً مستقلاً عن البشر، بل هو انعكاس لما يُغرس فيه من قِبل مبرمجيه وشركاته ومصمميه، ومعظمهم لا يمثلون تنوع العالم ولا يعبرون عن كل حضاراته وقيمه، فحين يُصمم العقل الاصطناعي وفقاً لمنظومة ثقافية واحدة، فإنه يُسقِط تلك العدسة على كل من يخالفها، فيقع التحيز لا إرادياً، ويُخنق التنوع دون إعلان.

إن الأخطر من قرارات الآلة هو صمت الإنسان عنها، حين يقف مكتوفاً أمام أتمتة الرقابة، وتسليع السلوك، واستبدال النية بالاحتمال، فكلما صغر حجم التدخل البشري، اتسع هامش التبعية، وكلما أوهمتنا الخوارزميات بأنها “تفهمنا”، كانت في الواقع تبرمجنا ببطء، وتُعيد تشكيل خريطتنا الذهنية.

ما نحتاجه اليوم ليس فقط تطوير تقنيات ذكية، بل أطراً أخلاقية حازمة، ومساءلة قانونية عالمية، تنشئ قواعد للمحاسبة لا تقل تطوراً عن التقنية ذاتها، فالعقل البشري، رغم عيوبه، ما زال يملك شيئاً لا تملكه الآلة: الشعور بالذنب، والقدرة على الرحمة.

فالسؤال لم يعد: ماذا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يفعل؟ بل: من يضبط إيقاعه، ويمنعه من تجاوز الخط الفاصل بين الخدمة والسيطرة؟ فكلما اقترب من محاكاة الإنسان، ازداد خطر أن يحلّ محله.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.