العقار السعودي يفتح نوافذه للعالم

العقار السعودي يفتح نوافذه للعالم
حسين بن حمد الرقيب clock

حسين بن حمد الرقيب

كاتب اقتصادي ومدير مركز زاد للاستشارات

لم تكن الشمس قد غادرت سطوعها حين أعلن مجلس الوزراء قراره بالسماح لغير السعوديين بتملك العقار في قلب المملكة، كأن التاريخ يميل قلمه ليخط سطراً جديداً في دفتر التحول.

القرار في جوهره لا يبدو مجرد نص تنظيمي عابر، بل أشبه بإشارة وعي ناضج بأن العالم تغير، وأن السعودية، التي اعتادت أن تراقب القادم من وراء البحار، قررت الآن أن تبادر وتفتح الأبواب، لا خوفاً ولا اضطراراً، بل ثقة بأن القادم إليها لن يكون غريباً بل شريكاً، تلك الرؤية التي رُسِمت في الأفق منذ أن أطل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على مشهد التغيير، أخذت تتشكل ملامحها واحداً بعد آخر، وكان من الطبيعي، بل من الحتمي، أن يطرق التملك العقاري باب الإصلاح، ليصير جزءاً من هذه الملحمة التحولية التي تعرفها البلاد، رؤية 2030 لم تكن شعاراً معلقاً في الهواء، بل هي حزمة مشاريع وأفكار جريئة قررت أن تعيد تعريف المفاهيم الراسخة وأن تُبقي السعودية في مقعد المبادرة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ولئن تحسس البعض في البداية موطئ قدمه تجاه القرار، متوجساً من أثره على الهوية أو على سوق العقار، فإن الحكمة في مثل هذه القرارات تكمن في ضبط ميزان المصالح، فالسماح لغير السعوديين بالتملك لا يعني التفريط، بل يعني التوجيه والانفتاح المشروط الذي يصب في خدمة الاقتصاد الكلي، ويحرك المياه الراكدة في بعض المناطق، ويحفّز الاستثمار في مناطق أخرى، فالعقار ليس حجارة وطيناً، بل اقتصاداً نابضاً، وتخطيطاً حضرياً، وتنمية مستدامة، ومَن يملك الشجاعة على إعادة صياغة قوانين التملك، يملك الإرادة على إعادة رسم خريطة المدن وتنشيط حركة العمران والتطوير.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

القرار سيجلب رؤوس أموال أجنبية تُسهم في زيادة السيولة داخل السوق، ويمنح مشاريع الإسكان فرصة للنمو المستدام بعيداً عن ضغط التمويل الداخلي وحده، كما أنه يعزّز قيمة الأصول ويخلق بيئة تنافسية تدفع نحو تحسين الجودة وتنوع الخيارات، والأهم من ذلك أنه يعكس صورة المملكة الحديثة، التي لم تعد محكومة بحدود الماضي، بل منفتحة على العالم، تصغي وتقرر، تأخذ وتعطي، وتبني شراكات طويلة الأمد مع من يأتون حاملين احترامهم للأنظمة، وطموحهم للاستقرار، كذلك سيؤثّر قرار السماح بتملك غير السعوديين للعقار إيجاباً في السوق المالية، عبر رفع جاذبية شركات التطوير العقاري وزيادة الطلب على أسهمها، ما يدفع بأسعارها ويعزّز ربحيتها، كما يدعم القرار نمو صناديق الريت، ويوسّع قاعدة المستثمرين من داخل وخارج المملكة، ويضخ سيولة جديدة في السوق، وهو مؤشر قوي على نضج التشريعات الاقتصادية، ويعزّز ثقة المستثمرين.

القرار حلقة من حلقات نضج الدولة، التي لم تعد تسير بخطى حذرة، بل بخطى واثقة، تماماً كما وصف نجيب محفوظ القاهرة في تحولات القرن، نحن اليوم نصف الرياض وجدة والدمام وهي تُبدل ثوبها، لا لأنها تريد أن تُعجب العالم، بل لأنها قررت أن تُعجب بنفسها أولاً، القرار في عمقه ليس قراراً عقارياً فحسب، بل مرآة لرؤية وطن، وحلم قيادة، وصوت مستقبل يقول للعالم: هذه السعودية، بترابها وأحجارها وأبراجها وأسواقها، تفتح لك الباب، لا كغريب، بل كجارٍ وشريك في البناء.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.