يضع محسن التاجوري (مقاول ومستورد) يده على قلبه مع الارتفاع الحاد في أسعار مواد البناء في مصر مؤخرًا، إذ تعاقد على تشطيب عدة منشآت سكنية ويخشى ألَّا يفي بالتعاقد.
يقول التاجوري لـ«CNN الاقتصادية» إنه تعاقد على ثمن تكلفة معينة للوحدة بأسعار محددة ولا بد أن يسلمها بالثمن نفسه، وفي المقابل، تتزايد أسعار مواد البناء باستمرار من دون توقف مع ارتفاع الدولار، وهو ما سيكلفه خسائر كبيرة.
وتشير بيانات وزارة الإسكان المصرية إلى ارتفاع أسعار مواد البناء بشكل كبير، إذ ارتفع متوسط سعر طن الحديد بنسبة 67.7 في المئة خلال ديسمبر كانون الأول مقارنة بالشهر نفسه في 2021، وكذلك ارتفع متوسط سعر طن الإسمنت 60.4 في المئة.
وألقت هذه الزيادات المتصاعدة بظلالها على قطاع العقارات في مصر الذي يعد سوقًا اقتصادية كبيرة مع تنامي عدد السكان وتخطيهم حاجز الـ100 مليون نسمة.
وفقًا لداكر عبد اللاه، وهو عضو لجنة التشييد في جمعية رجال الأعمال المصريين، فإن القطاع العقاري تأثر العام الماضي نتيجة للأزمة الاقتصادية بعدما واجه ارتفاعًا في أسعار مواد البناء وظهور نسبة من المتعثرين في الوفاء بسداد الأقساط المستحقة عليهم في موعدها.
وتضمنت المشكلات التي واجهت القطاع دخول بعض شركات المقاولات والتمويل العقاري في أزمات شديدة نتيجة للتسعير والبيع بسعر على أقساط خلال مدة التنفيذ، بينما ارتفعت تكاليف الإنشاء على السعر المتفق عليه، بحسب عبد اللاه.
ويفسر محمود جاد (محلل قطاع العقارات بشركة العربي الإفريقي لتداول الأوراق المالية) ما تواجهه شركات العقارات حاليًا بأنها تبيع عقاراتها أولًا ثم تبدأ في تنفيذ المشروعات على مدار بضع سنوات، الأمر الذي يعني أنها تبيع للعميل بسعر وتتوقع تكاليف الإنشاء خلال فترة التنفيذ، وأي زيادة في هذه التكاليف تكبد الشركة خسائر حتمية.
ويقدّر فتح الله فوزي، رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال، نسبة الزيادة في تكلفة إنشاء العقارات بمصر خلال عام 2022 بنحو 25 في المئة، متوقعًا أن تسجل التكلفة ارتفاعًا خلال العام الجديد بنحو 30 في المئة إضافية.
وتعاني مصر حاليًا موجة تضخمية، خاصةً مع تراجع قيمة الجنيه الذي تعرض للتخفيض مرتين خلال هذا العام، ووصل معدل التضخم الأساسي لأعلى مستوى له في نوفمبر تشرين الثاني مقارنةً بالشهر ذاته في عام 2017.
وكانت هذه الزيادة في معدلات التضخم سببًا لارتفاع أسعار العقارات، وقال عبد اللاه إن «عام 2022 المنصرم شهد تضاعف أسعار العقارات في مصر نتيجة لارتفاع معدلات التضخم وأسعار مواد البناء وخاصة في الربع الأخير من العام».
هذه الزيادة الكبيرة في أسعار العقارات لم تمنع الشركات العقارية من تحقيق أرباح، بحسب ما قاله فوزي.
وتظهر آخر بيانات الشركات العقارية المقيدة في البورصة المصرية أن أرباحها ومبيعاتها ارتفعت خلال أول 9 أشهر من 2022.
فعلى سبيل المثال، بلغت مبيعات شركة طلعت مصطفى 33.2 مليار جنيه في العام الماضي، بينما حققت «أوراسكوم للتنمية- مصر» أعلى مبيعات عقارية في تاريخ الشركة بقيمة 7.3 مليارات جنيه خلال أول 9 أشهر من 2022.
وسجلت أرباح شركة «بالم هيلز» 920 مليون جنيه في أول 9 أشهر من العام، بينما حققت أرباح «إعمار مصر» ارتفاعًا بنسبة 20 في المئة لتصل إلى 1.8 مليار جنيه خلال الربع الثالث من العام الماضي.
لكن محلل قطاع العقارات في شركة «العربي – الإفريقي» لتداول الأوراق المالية، يرى أن تسجيل الأرباح يعكس أداء البيع للشركات في السنوات السابقة؛ إذ يرتبط بعمليات التسليم والتي تستغرق عادة ما بين 4 و5 سنوات، ويتوقع أن تتكبد الشركات خسائر بسبب ارتفاع التكلفة حاليًا خلال نتائج أعمال السنوات المقبلة.
وقال إن «أداء الشركات تعكسه مبيعاتها، وخلال العام الماضي كانت المبيعات جيدة رغم زيادة الأسعار، لأنه في أوقات ارتفاع التضخم تتسارع عمليات الشراء في بعض المنتجات ومنها العقارات خوفًا من مزيد من الزيادة أو للحفاظ على الأموال كنوع من الاستثمار».
زيادة الطلب والتحوط
يعوِّل عاملون في قطاع العقارات على زيادة الطلب على العقار مع نمو عدد السكان إلى جانب اللجوء للعقارات كوعاء ادخاري لحماية الأموال في ظل تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار.
«رغم كل هذا فإننا نتوقع أن يرتفع الطلب على العقار في 2023 بوتيرة متزايدة، إذ إن عدد السكان كبير جدًا وهناك طلب طبيعي على الوحدات السكنية»، وفقًا لما يقوله عبد اللاه.
وهذا ما يعتقده فوزي، إذ يقول إن نحو 60 في المئة ممن يشترون العقارات في مصر يقدمون على ذلك للاستثمار وللحفاظ على قيمة أموالهم.
بينما يتوقع جاد أن يهدأ الطلب تدريجيًا على العقارات كوعاء استثماري خلال العام الجديد، لكنه سيظل مدعومًا بنشاط المصريين العاملين في الخارج، والذين يقبلون على الشراء في ظل تراجع الجنيه.
ويضيف أن زيادة الأسعار وارتفاع سعر الفائدة قد يحدان من وتيرة الطلب المحلي على العقارات، متوقعًا أن تستمر الشركات في تمرير الزيادات في التكلفة إلى سعر المنتج النهائي تدريجيًا حتى لا يتأثر السوق عامة.