أعلنت هونغ كونغ عزمها تقليص الإنفاق العام بصورة حادة، بما يشمل خفض 10 آلاف وظيفة في القطاع الحكومي بحلول أبريل نيسان 2027، وذلك ضمن جهودها لاحتواء العجز المتزايد في الموازنة. وبحسب تصريحات بول تشان، وزير المالية، فإن هذه الخطوة تأتي في إطار خطة أوسع تهدف إلى ترشيد الإنفاق وتعزيز الإيرادات وسط أوضاع اقتصادية مضطربة داخلياً وخارجياً.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وأوضح تشان، لدى إعلانه الميزانية السنوية للمركز المالي، أن هذه الخطة تضع إطاراً واضحاً لاستعادة التوازن المالي في الحساب التشغيلي بشكلٍ تدريجي ومدروس.
وستُنفَّذ تخفيضات الوظائف من خلال خفض 2 في المئة من القوى العاملة في القطاع الحكومي سنوياً على مدى العامين المقبلين، كما ستتجمّد رواتب موظفي القطاع العام هذا العام، في خطوة تعكس حذر الحكومة في مواجهة التوترات المالية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
انخفاض العائدات العقارية وتأثيره في العجز
تعاني هونغ كونغ عجزاً بقيمة 87.2 مليار دولار هونغ كونغ (نحو 11.16 مليار دولار)، وهو ما يفوق بكثير التوقعات السابقة التي بلغت 48.1 مليار دولار هونغ كونغ.
وعزا المسؤولون هذه القفزة في العجز إلى التراجع الحاد في عائدات بيع الأراضي نتيجة ركود سوق العقارات، إذ هوت أسعار المنازل بنحو 30 في المئة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
يُذكَر أن دخل الأراضي ظل فترات طويلة يمثّل أكثر من 20 في المئة من إيرادات الحكومة، غير أنه انخفض حالياً إلى ما يقرب من 5 في المئة.
يشير تشان إلى أن البرنامج الجديد لخفض الإنفاق الحكومي سيؤدي إلى تقليص المصروفات الإجمالية بنسبة 7 في المئة حتى نهاية السنة المالية التي تنتهي في 31 مارس آذار 2028، ويرى أن هذه الإجراءات ستضع أساساً مالياً مستداماً للتنمية المستقبلية، وتساعد على امتصاص الصدمات الخارجية المرتبطة بالتوترات الجيوسياسية وتراجع الطلب العالمي.
دفع عجلة الذكاء الاصطناعي
إلى جانب إجراءات التقشف المالية، تخطط هونغ كونغ لإطلاق دفعة كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، في انسجام مع توجُّه الصين نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع التكنولوجيا بما يشمل الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
وأعلن تشان تخصيص مليار دولار هونغ كونغ لإنشاء معهد أبحاث وتطوير متخصص في الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن موقع المدينة الدولي وخبراتها في مجال المال والأعمال يمنحها ميزة تنافسية في هذا المضمار.
ويرى المسؤولون في هونغ كونغ أن تعزيز الابتكار التكنولوجي يمثّل أحد روافد دعم النمو الاقتصادي، خصوصاً في ظل التراجع الذي يشهده قطاع العقارات والاضطرابات التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
تحديات عالمية وضغوط أميركية
تأثرت هونغ كونغ بمناخ دولي معقد؛ إذ يواجه اقتصادها الصغير والمفتوح تباطؤ النمو في الصين والتوترات المتصاعدة بين بكين وواشنطن، التي فرضت رسوماً جمركية إضافية على بضائع قادمة من هونغ كونغ والصين على حدّ سواء. وكانت هونغ كونغ قد انتقدت هذا الإجراء، مؤكدة أنها منطقة جمركية منفصلة عن البرّ الصيني.
وتفاقمت الأوضاع عقب تطبيق قانون الأمن القومي الصيني في هونغ كونغ عام 2020، الذي عرّض عدداً من المسؤولين المحليين، وبينهم الرئيس التنفيذي الحالي للمدينة جون لي، لعقوبات أميركية، كما فقدت المدينة وضعها الخاص ككيان تجاري منفصل، ما أثّر في علاقتها التجارية مع الولايات المتحدة.
وفي سياقٍ متصل، يواجه مجموعة سي كي هاتشيسون (CK Hutchison) المملوكة للملياردير لي كا شينغ ضغطاً متصاعداً من واشنطن، وبخاصة فيما يتعلق بإدارة موانئ تابعة للشركة في قناة بنما، بعدما اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصين -دون أدلة- بالسيطرة على القناة عبر شركات تابعة هونغ كونغ.
تجميد بيع المواقع التجارية
في ظل الارتفاع الكبير في معدلات شغور المكاتب وتوفر معروض وافٍ في السوق، قررت حكومة هونغ كونغ عدم طرح أي مواقع تجارية للبيع هذا العام. وأضاف تشان أنه سيجري النظر في تغيير استخدام بعض المواقع التجارية إلى سكنية؛ بهدف تخفيف ضغط ارتفاع أسعار العقارات السكنية وتحقيق استفادة أفضل من الأراضي العامة.
على جانب آخر، تشير الإحصائيات إلى أن الاحتياطيات المالية لحكومة هونغ كونغ تدور حالياً حول 647.3 مليار دولار هونغ كونغ، وهو مستوى ما زال يؤمّن للمدينة قدراً من المرونة المالية، لكنه يظل أقل بكثير من مستويات الذروة التي سبق أن تمتعت بها.
توقعات التحسّن وحتمية الإصلاح
تأتي تحركات هونغ كونغ في وقت تتصاعد فيه الضغوط الداخلية والخارجية، ما يدفع الحكومة نحو تبنّي سياسة مالية أكثر حزماً وترشيداً للإنفاق.
ويأمل المسؤولون في أن تسهم خطة تقليص الوظائف الحكومية وتجميد الأجور والتوسع في التقنيات الجديدة في إرساء قاعدة مالية متينة، تُتيح للمدينة تجاوز التحديات الراهنة والعودة إلى مسار النمو المستدام.