منذ أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الجائحة في 2020 أدت جائحة كوفيد-19 إلى تغيير جذري في السياسات المالية.
وفق بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي، ارتفعت الديون الحكومية عالمياً بنسبة 12 نقطة مئوية منذ 2020، بعد أن ضخت الدول تريليونات الدولارات لحماية الوظائف والأسر في ذروة الإغلاقات.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وترافق ذلك مع موجة تضخم بلغت ذروتها في 2022 في عدة بلدان، مدفوعة بإنفاق ما بعد الجائحة وحزم التحفيز ونقص العمالة والمواد الخام.
أسهم ارتفاع الأسعار في دفع البنوك المركزية إلى زيادة معدلات الفائدة بوتيرة مختلفة، ما أثر على تكاليف الاقتراض لدى الحكومات والأفراد، وتعكس وكالات التصنيف الائتماني التحديات، إذ تُظهر بيانات من «فيتش» أن متوسط التصنيفات السيادية العالمية لا يزال أقل ربع درجة مما كان عليه قبل الجائحة، في حين تواجه الأسواق الناشئة صعوبة أكبر.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
سوق العمل وتراجع حضور المكاتب
لم تسلم سوق العمل من التوتر، فبحسب البنك الدولي، تسبب الإغلاق في خسارة ملايين الوظائف، وتأثرت النساء والطبقات الأفقر أشد التأثير، وعلى الرغم من استعادة الكثير من الوظائف بمرور الوقت، تصاحب ذلك تحولات هيكلية في قطاعات الضيافة والتوصيل والخدمات.
على صعيد التنقل والسفر اليومي، تشير بيانات في مدن كبرى مثل لندن إلى انخفاض بنحو مليون رحلة يومياً في المواصلات العامة مقارنة بعام 2019، نتيجة الانتقال واسع النطاق للعمل من المنزل، ولا يزال الطلب على المكاتب في مناطق الأعمال المركزية ضعيفاً، بعدما اعتمدت الشركات نمط العمل الهجين أو البعيد.
تغير مشهد السفر والسياحة
يقول الاتحاد الدولي للنقل الجوي إن قطاع الطيران تكبد خسائر بـ175 مليار دولار عام 2020، لكن مع نجاح حملات التلقيح ورفع القيود، ارتد القطاع بقوة؛ إذ تتوقع إياتا صافي ربح بـ36.6 مليار دولار عام 2025 ونحو 5.2 مليارات مسافر، متجاوزاً مستويات 2019 من حيث الطلب.
في المقابل، بقيت أسعار الفنادق مرتفعة في معظم المناطق عالمياً، وطبقاً لمنصة لايتهاوس، فأسعار الفنادق في بعض المناطق تفوق مستويات ما قبل الجائحة، خصوصاً في أوقيانوسيا وأميركا الشمالية.
كما أدى ارتفاع العمل عن بُعد إلى تغيير أنماط السياحة، فتقلصت بعض أشكال رحلات العمل التقليدية وسط تزايد الرحلات الترفيهية أو المختلطة.
ازدهار الرقمنة وتوجهات الاستثمار
عززت قيود الجائحة الإقبال على الخدمات الرقمية (تسوق عبر الإنترنت، مدفوعات إلكترونية) مع بقاء المستهلكين في المنزل، وعام 2020 وصل حجم المتسوقين إلكترونياً إلى مستوى قياسي، قبل أن يستقر لاحقاً عند معدل أعلى من فترة ما قبل الجائحة، وأوردت مؤسسة يورومونيتور أن مساحة المتاجر في أوروبا ارتفعت بنحو 1 في المئة عام 2022 وتمضي نحو 2.7 في المئة إضافية بحلول 2028.
وفي الأسواق المالية، قفزت أسهم شركات التقنية والتوصيل واللقاحات خلال الجائحة، لكن بعضها خسر بريقه لاحقاً، أما البيتكوين فارتفع 1,233 في المئة بين ديسمبر كانون الأول 2019 وديسمبر كانون الأول 2024، مدفوعاً ببحث المستثمرين عن بدائل لمواجهة تذبذب الأسواق.
ومع ذلك، شهدت العملات المشفرة تراجعات عقب انهيار منصة إف تي إكس.
شهدت الأسواق أيضاً زيادة ملحوظة في مشاركة المستثمرين الأفراد بأسواق الأسهم، إذ مثلوا 27 في المئة من تداولات الأسهم في الولايات المتحدة بديسمبر كانون الأول 2020، بحسب تقديرات تداولية.
كما قادت منصات مثل روبنهود موجة الاستثمار الفردي في أسهم تُعرف بأسهم الميم.
تداعياتها لم تنتهِ
فيما انحسرت الصدمة المباشرة للجائحة، يبرز إرثها في الديون المتصاعدة، وضعف تصنيفات الدول، والتوتر في سوق العمل والتغيرات الهيكلية في السفر والتسوق، وسط تلك الفوضى، يشير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن 41 في المئة من الشركات تخطط لتقليص موظفيها خلال خمس سنوات بفعل التحول للذكاء الاصطناعي، فيما يتجه مستثمرون ومحللون إلى متابعة الاقتصادات وهي تنسج عاداتٍ جديدة في الاستهلاك والعمل والتنقل.
هذا المشهد يوضح بقاء إرث كوفيد-19 حاضراً في معادلة الاقتصاد العالمي، من خلال ازدياد الديون، تباين مسارات التضخم، وانتقال مراكز الثقل إلى الرقمنة، وبينما يحاول العالم التأقلم مع عودة الحياة الطبيعية، يستمر إرث السنوات الخمس الأخيرة في تشكيل مستقبل الأسواق والعمل والابتكار.