«سبريد» إيطاليا وألمانيا.. هوس مالي فقد معناه في الأسواق

تراجع "سبريد" السندات بين إيطاليا وألمانيا كمؤشر على المخاطر، في ظل تغير قواعد اللعبة الأوروبية. (شترستوك)
السندات في إيطاليا وألمانيا
تراجع "سبريد" السندات بين إيطاليا وألمانيا كمؤشر على المخاطر، في ظل تغير قواعد اللعبة الأوروبية. (شترستوك)

ظهر مصطلح «السبريد» فجأة في اللغة الإيطالية خلال أزمة ديون منطقة اليورو عام 2011، عندما قفزت عوائد السندات الإيطالية إلى مستويات تنذر بفقدان الوصول إلى الأسواق.

آنذاك، كان الفارق بين عوائد السندات الإيطالية لأجل 10 سنوات ونظيراتها الألمانية مؤشراً يومياً على متانة الاقتصاد الإيطالي ومصدر فخر أو قلق وطني، تماماً كما الحال مع نتائج مباريات كرة القدم.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ومع تراجع هذا الفارق مؤخراً إلى أقل من 100 نقطة أساس، أعلنت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني أمام البرلمان أن «هذا يعني أن سندات إيطاليا تُعدّ أكثر أماناً من الألمانية»، في تصريحٍ أثار ابتسامة خفيفة من وزير ماليتها، الذي يدرك أن الواقع أقل وردية.

الفارق الضئيل لا يعكس تحسناً بنيوياً

في عام 2011، كان هذا الفارق يعني الكثير.. ألمانيا كانت آنذاك رمز الانضباط المالي الأوروبي، بينما كانت روما تواجه تكاليف تمويل باهظة قد تعيق قدرتها على خدمة ديونها البالغة الآن 3 تريليونات يورو، أي نحو 135 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ثاني أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان، بحسب رويترز.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

اليوم، تُنفق إيطاليا ما يقارب 90 مليار يورو سنوياً على فوائد الدين، أي 4 في المئة من ناتجها المحلي. وعلى الرغم من تقلص السبريد، فإن عوائد السندات الإيطالية لا تزال تتجاوز 3.5 في المئة، وهي مستويات مرتفعة مقارنة بإسبانيا (3.2 في المئة) واليونان (3.4 في المئة).

ألمانيا لم تعد المعيار الذهبي للاستقرار

يشير خبراء الاقتصاد إلى أن انخفاض الفارق ليس نتيجة أداء إيطاليا الجيد فقط، بل يعكس كذلك التحديات المتصاعدة في الاقتصاد الألماني.. فخطط الإنفاق الضخمة على الدفاع والبنية التحتية دفعت عوائد السندات الألمانية إلى الارتفاع، ما قلّص الفارق من دون تحسّن فعلي في جودة الديون الإيطالية.

وبحسب الخبير الاقتصادي تيتو بويري، فإن «ما يهمنا فعلياً هو مستوى أسعار الفائدة نفسها، لا الفارق مع ألمانيا»، محذراً من أن ارتفاع العوائد الألمانية لا يخدم المالية العامة الإيطالية.

التقلبات تعكس المعنويات العالمية لا السياسة المحلية

يشير محللون إلى أن تحركات السبريد تتأثر غالباً بالمخاطر الدولية أكثر من العوامل الإيطالية.. ففي أبريل نيسان الماضي، اتسع الفارق فجأة بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية واسعة النطاق، ليعود وينخفض بعد تعليق تنفيذها.

وبحسب روبرتو بيروتي، أستاذ الاقتصاد في جامعة بوكوني بميلانو، فإن «السبريد يتسع عندما نشهد نزوحاً نحو الأصول الآمنة، وإيطاليا ببساطة لا تُصنف كأصل آمن».

من «رمزية بيرلسكوني» إلى تضخم ما بعد كورونا

في 2009، وخلال حكومة سيلفيو بيرلسكوني، استقر السبريد بين 80 و100 نقطة أساس، قبل أن يقفز إلى أكثر من 570 نقطة أساس في 2011 رغم سياسة مالية مستقرة نسبياً.

وفي 2021، شهد المؤشر نفسه تراجعاً تحت حكم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، لكنه سرعان ما ارتفع مجدداً إلى 250 نقطة مع انفجار التضخم العالمي بعد جائحة كوفيد.

اليوم، ورغم رغبة ميلوني في استخدام تقلص الفارق دليلاً على الثقة الدولية، يرى الخبراء أن القيمة الرمزية للمؤشر لم تعد تعني الكثير، في ظل تغير ملامح الانضباط المالي الأوروبي.

كما قال بيروتي: «في الوقت الراهن، السبريد لم يعد مقياساً ذا معنى حقيقي».