بينما لا تزال الأسواق العالمية تتقلب على وقع تحديات الجغرافيا السياسية وسلاسل التوريد، جاءت مؤشرات التجارة الخارجية لمصر في الربع الأول من عام 2025 لتبعث بإشارات مزدوجة، إيجابية من جهة الصادرات، وتحركات محدودة على صعيد الواردات.
فوفقاً لتقرير صادر عن وحدة معلومات السوق بـ«إكسبولينك»، بناءاً على بيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، سجلت الصادرات غير البترولية لمصر نمواً قياسياً بنسبة 30.5 في المئة مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 13.02 مليار دولار مقابل 9.97 مليار دولار في الربع الأول من 2024.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وعلى الجانب الآخر، تراجعت الواردات بنسبة طفيفة بلغت 0.8 في المئة لتسجل 18.55 مليار دولار مقابل 18.7 مليار دولار، ما يشير إلى تحسن طفيف في الميزان التجاري وإن ظل سالباً.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ويُذكر أن، في عام 2024، عانى الميزان التجاري المصري من فجوة كبيرة بسبب ارتفاع الواردات مقابل تراجع نسبي في الصادرات، وتبذل الحكومة والقطاع الخاص جهوداً منذ ذلك الحين لتعزيز الإنتاج المحلي ودعم الصادرات غير التقليدية.
ما الذي يُصدّر؟ ومن يشتري؟
تصدر قطاع مواد البناء المشهد مسهماً بـ33.1 في المئة من إجمالي الصادرات، تلاه الكيماويات والهندسة والمواد الغذائية المصنعة.
يلي ذلك قطاع الكيماويات والهندسة، ما يدل على تنويع تدريجي في قاعدة الصادرات بعيداً عن القطاعات التقليدية مثل الزراعة والمنسوجات.
اللافت أيضاً أن القطاعات الصغيرة مثل الطباعة والمستحضرات الطبية بدأت تأخذ لنفسها مساحة في الخريطة التصديرية، وهو تطور إيجابي يعكس بداية تحرك نحو المنتجات ذات القيمة المضافة الأعلى.
رغم التراجع الطفيف في إجمالي الواردات، تظل القطاعات الهندسية والبناء والزراعة في الصدارة، ما يعكس استمرار اعتماد مصر على الاستيراد لتلبية احتياجات النمو الصناعي والبنية التحتية.
ومن اللافت أن واردات الأغذية المصنعة والمستحضرات الطبية تحتل نسباً ليست صغيرة، ما يشير إلى فجوة في التصنيع المحلي لهذه السلع الأساسية، ويطرح سؤالاً حول فرص إحلال المنتجات المصرية محل المستورد في هذه القطاعات.
وحققت صادرات النحاس المكرر قفزة خيالية بنسبة 3351.2 في المئة، في حين تضاعفت صادرات الذهب أربع مرات، أما المنتجات الزراعية مثل البطاطس والبرتقال، فواصلت حضورها القوي على الساحة التصديرية.
وعلى مستوى الأسواق، جاءت الدول العربية في الصدارة مستحوذة على 46.5 في المئة من الصادرات المصرية (6.06 مليار دولار)، تلتها دول الاتحاد الأوروبي بـ2.79 مليار دولار.
تحتل الإمارات موقع الصدارة بفضل صادرات الذهب، لكن الاعتماد على منتج واحد يجعل هذا التوجه عرضة للتقلبات.
شهدت تركيا والسعودية وأميركا تنوعاً في السلع المستوردة من مصر، بين الكيماويات والملابس، ما يعكس قدرة تصديرية متنوعة، أما إيطاليا، فتركّز على اليوريا والألومنيوم، ما يشير إلى أهمية العلاقات الصناعية معها، ومع ذلك، لا تزال نسبة كبيرة من الصادرات مركزة في دول محدودة، وهو ما يحد من انتشار المخاطر.
وحققت مجموعة آبيك (التي تضم أميركا والصين واليابان) نمواً في وارداتها من مصر بنسبة 12 في المئة لتصل إلى 1.3 مليار دولار.
رغم التراجع الطفيف في إجمالي الواردات، فإن بعض القطاعات شهدت نمواً ملحوظاً في وارداتها مثل المنتجات الهندسية (بقيادة السيارات ومكونات الطائرات)، والمواد الغذائية (لا سيما اللحوم وزيوت النخيل والسكر الخام)، إلى جانب المنتجات الكيميائية مثل البولي بروبيلين والبولي إيثيلين.
هل نحن أمام نقطة تحول؟
يأتي ارتفاع الصادرات بهذه النسبة اللافتة في وقت تحاول فيه مصر تعزيز مواردها الدولارية وسط ضغوط تمويلية. وقد يكون تراجع الواردات دلالة على ترشيد الاستيراد أو انخفاض القوة الشرائية، لا سيما في ظل تراجع الجنيه وتوجه الحكومة لتقليص الفجوة التجارية.
لكن الأرقام وحدها لا تكفي، فالنمو التصديري لا يزال مركزاً في عدد محدود من القطاعات والأسواق، كما أن استمرار الاعتماد على واردات الأغذية والمواد الخام يبقي الاقتصاد عرضة لتقلبات الأسعار العالمية وسلاسل الإمداد.
تحقيق نمو في الصادرات غير البترولية بنسبة تتجاوز 30 في المئة خلال ربع واحد هو إنجاز يستحق التوقف عنده، لكنه في الوقت ذاته يدق ناقوس الحاجة إلى استدامة هذا النمو وتنويع هيكله، بالتوازي مع تقليص الواردات الاستهلاكية ودعم التصنيع المحلي.