بين الهدنة والتصعيد.. الأسواق تتحدى حرب الرسوم بجولة انتعاش مفاجئة

انتعاش هش.. الاقتصاد العالمي يتجاهل «دراما الرسوم» مؤقتاً (شترستوك)
انتعاش هش..الاقتصاد العالمي يتجاهل «دراما الرسوم» مؤقتاً
انتعاش هش.. الاقتصاد العالمي يتجاهل «دراما الرسوم» مؤقتاً (شترستوك)

في الوقت الذي تستمر فيه التصريحات النارية للرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن الرسوم الجمركية، وبينما تتأرجح المفاوضات التجارية بين مدّ وجزر، يبدو أن الاقتصاد العالمي يعيش حالة «نشوة مؤقتة» أو ما يشبه «الاندفاعة السكرية»، متحدياً التوقعات السلبية ومحققاً أداءً أفضل من المتوقع خلال الأشهر الأخيرة.

فقد أظهرت البيانات الأخيرة من أميركا والصين وحتى أوروبا نوعاً من الصمود الاقتصادي، ما دفع مؤسسات مالية كبرى إلى تعديل نظرتها القاتمة. هذا التعافي المؤقت لا يعني نهاية التوترات، بل يُعزى إلى مجموعة من العوامل الظرفية، أبرزها قرار ترمب تعليق بعض الرسوم الجمركية، واستباق المستوردين والمصنعين للقرارات المرتقبة، ما دفعهم إلى تسريع الإنتاج والشراء قبل تطبيق الرسوم، في محاولة لتفادي التكاليف الإضافية لاحقاً.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ويصف الخبير الاقتصادي في بنك بيرنبرغ هولغر شميدينغ هذه الظاهرة قائلاً: «ما نشهده حالياً هو اندفاعة قصيرة المدى في القطاع الصناعي بسبب التعجيل بالإنتاج والتجارة... كما أن هناك مؤشرات على أن ترمب بدأ يتراجع عن بعض تهديداته، ما يزرع بعض الأمل في الأسواق».

هذا الحذر المتفائل يتغذى أيضاً من تحسن بعض المؤشرات الميدانية، إذ إن في الولايات المتحدة، ارتفعت الواردات بنسبة 30 في المئة في مارس آذار مقارنة بأكتوبر تشرين الأول الماضي، مع استباق المستوردين للرسوم، وفي الصين، واصلت الصادرات أداءها القوي بفضل تحويل مسارات التجارة عبر دول ثالثة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وفي أوروبا، وصل نشاط التصنيع إلى أعلى مستوى له منذ 33 شهراً، مدعوماً بانخفاض أسعار الطاقة نسبياً وتوقعات بزيادة الإنفاق الحكومي الألماني بعد سنوات من التشدد المالي.

لكن رغم هذا الأداء القوي، لا تزال الغيوم تلوح في الأفق، فقد حذّر صندوق النقد الدولي الشهر الماضي من تباطؤ النمو العالمي وخفّض توقعاته بمقدار نصف نقطة مئوية لتصل إلى 2.8 في المئة، وهو معدل مقبول مقارنة بالأزمات السابقة، لكنه يظل أقل من الطموحات.

وفي خلفية هذا الانتعاش المؤقت، تواصل المحاكم الأميركية تأرجحها بين تعليق وإعادة تفعيل الرسوم، ما يزيد من حالة الضبابية ويُربك قرارات الاستثمار، ويبدو أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي استعادت بعض الزخم، في حين وصف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت المفاوضات مع الصين بأنها «متوقفة جزئياً».

وفي خضم هذا المشهد المعقّد، تكشف بيانات رويترز عن خسائر بلغت أكثر من 34 مليار دولار تكبّدتها الشركات العالمية نتيجة الحرب التجارية، ما انعكس على أرباح شركات كبرى مثل تويوتا وبورشه ومرسيدس، بل إن بعض الشركات مثل فولفو وستيلانتس أوقفت تقديم أي توقعات مالية بسبب هذا الغموض.

قد تكون اليابان الأكثر تضرراً، إذ تُعد أميركا أكبر وجهة لصادراتها بقيمة تتجاوز 21 تريليون ين، تمثل فيها السيارات نحو 28 في المئة.

ويحذر الخبير الاستراتيجي في يو بي أس UBS شينشن يو قائلاً «رغم أننا تجاوزنا أسوأ الصدمات، فإن المشهد لا يزال غير واضح، ولا أحد يعلم حتى الآن كيف سيبدو الشكل النهائي للنظام التجاري العالمي».

وحتى مع هذه المؤشرات الإيجابية، يتخوف المحللون من سيناريو «الارتداد العكسي» المتوقع نتيجة تراجع الإنفاق بعد الاندفاعة الحالية، ما قد يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي لاحقاً، خاصة إذا اقترن ذلك بتراجع القوة الشرائية للأسر الأميركية وتأجيل الشركات لخطط الاستثمار والتوظيف.

لكن في المقابل، يعتبر كارستن برزيسكي، رئيس قسم الاقتصاد الكلي في ING، أن الميزان بدأ يميل ـ ولو بشكل طفيف ـ نحو التفاؤل: «هناك نوع من التحول في المزاج العام... ليس انتعاشاً كاملاً، لكنه يحمل مؤشرات مشجعة، رغم استمرار حالة الغموض».