في وقتٍ تتسابق فيه الاقتصادات العالمية لإعادة رسم ملامح الصناعة، يتبلور على أطراف الخريطة الجغرافية حزام صناعي جديد يمتد من المغرب ومصر إلى إندونيسيا وتشيلي.
يستحوذ هذا الحزام اليوم على 59% من إجمالي الاستثمارات المعلنة في الصناعة النظيفة عالمياً مقارنة بنسبة 18% للولايات المتحدة، و10% للاتحاد الأوروبي، وتغطي هذه المشاريع قطاعات محورية، تشمل الألومنيوم والكيماويات والإسمنت والطيران والصلب.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وقد يشكّل هذا الصعود إزاحة مراكز التصنيع التقليدية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين.. هذا ما كشفه تقرير حول «الصناعة النظيفة.. توجهات تحولية»، الصادر في يونيو 2025 عن ائتلاف المهمة الممكنة «ميشن بوسيبل» وبدعم من مسرع الانتقال الصناعي، وهما ائتلافان عالميان معنيان بتعزيز التحول نحو الصناعة النظيفة
الحزام الصناعي الصاعد
أفاد التقرير بوجود مشاريع معلنة بقيمة 1.6 تريليون دولار في مختلف أنحاء العالم لم تحصل بعد على التمويل اللازم.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
تصدرت الصين مجال تطوير الصناعة النظيفة، بعدما استحوذت على ربع الاستثمارات البالغة 250 مليار دولار في المصانع النظيفة حتى الآن، تلتها الولايات المتحدة بنسبة 22%، ثم الاتحاد الأوروبي بنسبة 14%، غير أن مجموعة من الأسواق الناشئة مثل الهند ومصر والبرازيل، التي تُعدّ جزءاً من الحزام الصناعي الجديد في الأسواق الناشئة، بدأت تقترب سريعاً من الدول التي تمتلك قواعد صناعية راسخة، وفق «أداة تتبع المشاريع العالمية»والتقرير المصاحب لها الصادر اليوم عن ائتلاف المهمة الممكنة «ميشن بوسيبل».
وحصدت دول الحزام الصناعي الجديد، مثل إندونيسيا والمغرب 20% من الاستثمارات في المصانع الصناعية النظيفة حتى الآن، إلّا أن فرصاً استثمارية بقيمة 948 مليار دولار لا تزال متاحة في المشاريع المعلنة في هذا المجال.
وقالت فوستين ديلاسال، الرئيسة التنفيذية لائتلاف المهمة الممكنة «ميشن بوسيبل» والمديرة التنفيذية لمسرع الانتقال الصناعي: «لن تحافظ المراكز الصناعية التقليدية على مكانتها ما لم تتصرف بذكاء وتبادر إلى التعاون.. وترصد أداة تتبع المشاريع العالمية التابعة لائتلاف «المهمة الممكنة» تحولاً فعلياً في خريطة الصناعة العالمية، حيث يتهيأ الحزام الصناعي الجديد في الأسواق الناشئة لتجاوز الدول الغربية في قطاعات مثل الأمونيا، وهو تحول يحمل تأثيرات واسعة على الاقتصاد العالمي خاصة مع إعادة رسم ملامح المشهد الصناعي العالمي، مع انتقال إنتاج المواد والكيماويات والوقود عبر مناطق جغرافية متنوعة ونشوء ممرات تجارية جديدة.
ويشكّل الحزام الصناعي الجديد في الأسواق الناشئة، الذي يمتد عبر إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، جوهر هذا التحول، حيث تم استثمار الموارد الطبيعية الوفيرة في توليد الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى توفر سياسات داعمة ومزايا التكلفة التنافسية لتقدم بيئة مثالية تدعم نشوء عمليات صناعية جديدة.
الأمونيا.. سر التحول
في ظل تنامي اهتمام الاقتصادات الزراعية بالحصول على أمونيا نظيفة منخفضة التكلفة تستخدم في صناعة الأسمدة، بوصفها فرصة اقتصادية وأداة لتعزيز الأمن الغذائي ربما تكون الأمونيا النظيفة هي العنصر الحاسم في هذا التحول، إذ تستضيف دول الحزام الصناعي الجديد أكثر من 75% من المشاريع العالمية المخططة لإنتاج الأمونيا منخفضة الانبعاثات وهي مادة محورية لصناعة الأسمدة ومتزايدة الأهمية كمصدر للطاقة في الشحن البحري والمتفجرات.
ويشير التقرير إلى توقعات بأن تنتج الهند وحدها ما يكفي لتسميد 75% من أراضيها، بينما قد تغطي مصر ضعف مساحتها الزراعية، فيما تبدو كل من سلطنة عُمان وموريتانيا قادرتين على إنتاج يكفي لستة أضعاف أراضيهما
ويُتوقع أن تصل كلفة إنتاج الأمونيا النظيفة في هذه الدول إلى نصف كلفتها في أوروبا أو الولايات المتحدة، بفضل انخفاض أسعار الكهرباء والتحليل الكهربائي
وتابع التقرير: «يمثّل هذا التحول فرصة ثمينة للاقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط لتجاوز نماذج التنمية المعتمدة مستويات مرتفعة من الانبعاثات الكربونية، والوصول إلى أسواق تصديرية جديدة، واكتساب ميزة تنافسية في جذب صناعات تولد قيمة مضافة».
ويسهم بناء قواعد صناعية محلية صديقة للبيئة في دفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام، وتوفير فرص عمل، وتعزيز الأمن على مستوى الغذاء والطاقة، وتمكين هذه الدول من تأدية دور مؤثر في أسواق السلع النظيفة مستقبلاً.
من الفحم إلى الشمس
يتجه الجيل الجديد من المصانع نحو المناطق التي توفر كهرباء نظيفة رخيصة ومستقرة، وهي ميزة تنافسية تملكها العديد من الدول النامية.
وأوضح جيمس سكوفيلد، نائب مدير مسرّع الانتقال الصناعي (ITA) لـCNN الاقتصادية: «تعد محدودية الوصول إلى الكهرباء النظيفة، وحجم الإمدادات المتاحة منها، من التحديات الرئيسية في دولة الإمارات». ورغم النمو المتزايد الذي يشهده إنتاج الطاقة المتجددة، فإن توفيرها بكميات كافية وبشكل ميسر للصناعات لا يزال يشكّل عائقاً رئيسياً.
وأضاف يعمل مسرّع الانتقال الصناعي حالياً على تسهيل الوصول إلى الطاقة النظيفة وتعزيز حجمها المتوفر للقطاع الصناعي. أمّا على المستوى العالمي، فغالباً ما تكمن العقبة الكبرى في ضعف الطلب المستقر على المنتجات الصناعية النظيفة، حيث لا يلتزم المشترون بعقود شراء طويلة الأجل على نطاق واسع بسبب استمرار توفر بدائل أقل تكلفة وأكثر كثافة في الانبعاثات الكربونية.
ومن هذا المنطلق، نتعاون مع الحكومات لتفعيل سياسات تحفز الطلب على الطاقة الخضراء، مثل السياسات الموجهة للطلب التي تسهم في تحفيز الاستثمار وتسريع إنشاء المنشآت الصناعية النظيفة. وتشمل هذه السياسات: الإلزام بمستوى محدد للانبعاثات، ووضع حدود على كثافة الانبعاثات الكربونية في المواد والمنتجات، وتسعير الانبعاثات الكربونية، والمشتريات الحكومية، إلى جانب الحوافز المالية والعينية.
وكان المسرع قد أطلق في مؤتمر الأطراف COP29 الذي عقد في نوفمبر الماضي، «دليل سياسات تحفيز الطلب الأخضر»، وهو أداة إرشادية تساعد صُنّاع السياسات على فهم الأدوات التي تعزّز الطلب على الحلول ذات الانبعاثات المنخفضة أو شبه المعدومة، في القطاعات الستة الأعلى إنتاجاً للانبعاثات التي نركّز عليها.
كما يوفّر أدوات المشتريات الخضراء توصيات ونصائح موجهة للشركات الراغبة في الاستثمار في منتجات وخدمات صناعية نظيفة.. هذا إلى جانب أداة تتبع المشاريع العالمية التابعة لائتلاف المهمة الممكنة والتي وصفتها كريستيانا فيغيريس، المؤسسة المشاركة لمبادرة «جلوبال أوبتيميزم» بأنها «تظهر بداية تشكل ثورة صناعية جديدة».
بطء التمويل… و«عنق الزجاجة»
رغم الزخم، يعاني قطاع الصناعات النظيفة فجوة تمويلية حادة؛ فمن أصل 826 منشأة صناعية نظيفة على مستوى العالم، لم تتخط سوى 8 مشاريع فقط مرحلة القرار الاستثماري النهائي خلال الأشهر الستة الماضية، ما يعني أن وتيرة التحول لا تزال أبطأ بكثير من المطلوب، ما دفع فوستين ديلاسال الرئيس التنفيذي لائتلاف المهمة الممكنة للتحذير والدعوة إلى مضاعفة الاستثمارات الحالية خمس مرات بحلول 2030.
وتمثل تكلفة التمويل إحدى التحديات الأخرى التي تواجه المشاريع الصناعية، حيث تختلف هذه التكلفة من منطقة إلى أخرى، ولكن في بعض الحالات، يشكّل نقص الوصول إلى التمويل الميسر عائقاً حقيقياً يؤثّر بشكل مباشر في جدوى المشاريع وفرص حصولها على التمويل اللازم.
إذ تشهد الصناعة النظيفة تحولاً ملموساً في الجغرافيا الاقتصادية، فبينما تتعثر الدول الكبرى في رسم سياسات موحدة ومستقرة، تنجح حكومات الأسواق الناشئة في اقتناص الفرص الاستثمارية عبر خطط واضحة وتمويلات تحفيزية