كم ساعة عمل تحتاجها لكسر خط الفقر؟.. تفاوت صادم بين الدول

shutterstock_1991943209
كم ساعة عمل تحتاجها لكسر خط الفقر؟.. تفاوت صادم بين الدول
shutterstock_1991943209

في عالم تُقاس فيه العدالة أحياناً بعدد ساعات العمل، تطرح بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD سؤالاً بسيطاً لكنه عميق.. كم ساعة يجب أن يعمل الفرد أسبوعياً ليخرج من دائرة الفقر؟

تختلف الإجابة بشكل كبير من دولة لأخرى، وتكشف فجوة واسعة بين من يضمنون لمواطنيهم شبكات أمان اجتماعي واقتصادي، ومن يتركون العاملين يركضون وراء خط الفقر رغم العمل بدوام شبه كامل.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

سلّطت تقارير دولية الضوء على تآكل الدخول الحقيقية للطبقات العاملة في عدد من الدول المتقدمة، مع تزايد الضغوط التضخمية، وارتفاع تكاليف المعيشة، مقابل ركود أو بطء في نمو الأجور.

ويعتمد هذا المؤشر الجديد من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على حساب عدد ساعات العمل المطلوبة أسبوعياً لشخص أعزب دون أطفال يتقاضى 67 في المئة من متوسط الأجر في بلده، ليتجاوز عتبة الفقر المحددة بـ50 في المئة من متوسط الدخل القابل للإنفاق.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

جاءت سلوفينيا في المرتبة الأولى من حيث أعلى عدد ساعات مطلوب للخروج من الفقر، إذ يتوجب على العامل العمل 35 ساعة أسبوعياً، أي ما يعادل وظيفة كاملة تقريباً، فقط ليصل إلى خط الفقر وليس لتجاوزه بشكل مريح.

في المقابل، تُعتبر تركيا الأكثر «كرماً» في هذا المعيار، إذ يكفي 9 ساعات فقط أسبوعياً لعبور خط الفقر، نتيجة تدني تكلفة المعيشة أو ارتفاع الدعم الاجتماعي أو خلل في احتساب الأجور مقارنةً بالفقر الرسمي.

ومن اللافت أن دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة ونيوزيلندا والدنمارك تطلب من العاملين بين 26 و27 ساعة أسبوعياً لكسر خط الفقر.

في حين تحتاج دول مثل فرنسا وهولندا وإيرلندا فقط 18 ساعة، أما بريطانيا فاحتاجت 14 ساعة فقط، ما يثير الجدل حول فعالية سياسات الأجور والدعم الاجتماعي فيها رغم تحديات الاقتصاد.

هذا المؤشر لا يقيس فقط التفاوت في الدخول، بل يكشف بوضوح عن اختلاف الفلسفات الاقتصادية في دعم الفئات العاملة، ومدى التوازن بين الأجور وخط الفقر في كل بلد.

الشرق الأوسط في دوامة الأجور غير الكافية

في الغرب، أرقام دقيقة تكشف كم ساعة يجب أن يعملها الفرد أسبوعياً ليكسر خط الفقر، في الشرق الأوسط، يغيب السؤال من الأساس.. فلا خط فقر واضح، ولا أجر كافٍ، ولا بيانات موثوقة، والنتيجة؟ ملايين يعملون 40 إلى 60 ساعة أسبوعياً، ولا يزالون تحت عباءة الفقر.

في مصر، تبنى البرلمان ومنظمة العمل زيادات متتالية في الحد الأدنى؛ إذ ارتفع إلى 7 000 جنيه، أي ما يعادل 138 دولاراً شهرياً في القطاعين العام والخاص ابتداء من منتصف 2025.

رغم ذلك، تبقى الأجور الحقيقية تتراجع أمام معدل تضخم تجاوز 35 في المئة في 2023–2024، ولم تسمح بزيادة ساعات عمل كافية لكسر خط الفقر.

حسب المعهد المصري لحقوق الإنسان، ارتفع السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى نحو 38 في المئة في يونيو حزيران 2023، فيما يكشف مؤشر الأجر المعيشي الحضري أنّ الفرد يحتاج نحو 12 448 جنيهاً شهرياً، أي حوالي 266  دولاراً لتغطية احتياجاته الأساسية.

في تونس، ارتفع الحد الأدنى اليومي إلى 20.30 دينار، أي حوالي 166 دولاراً شهرياً، في يناير كانون الثاني 2025، ذلك يعني أن الفرد بحاجة إلى 54 ساعة عمل أسبوعياً فقط ليصل إلى ما يعادل خط الفقر السنوي، 50  في المئة من الدخل المتوسط، وفق تقديرات شعبية.

في لبنان، أغلب السكان باتوا تحت خط الفقر بعد انهيار العملة؛ أكثر من 80  في المئة يعيشون في فقر مدقع، بينما الحد الأدنى الرسمي لا يكاد يتجاوز 30 دولاراً شهرياً في ظل انهيار الليرة.

في الأردن، ارتفع الحد الأدنى إلى 290 ديناراً، أي نحو 409 دولارات، بداية عام 2025، لكن معظم العمال، خصوصاً في الشركات الصغيرة وغير الرسمية، لا يحصلون عليه، ويعملون غالباً دون عقود أو تغطية اجتماعية.

اخترقت بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الستار في دولها الأعضاء، بينما دول الشرق الأوسط لا تملك مرآة واضحة تُظهر ساعات العمل المطلوبة للعيش الكريم.

ما يُعرف هو وجود تضخم متسارع يقضّ مضاجع الحد الأدنى للأجور، ولكنه لا يكفي لضبط الفقر أو تقليله.

غياب الشفافية وانتشار الاقتصاد غير الرسمي أثرا سلبياً على قدرة الدول على صياغة سياسات عادلة للأجور وضمان استدامتها.

في وقت تتزايد فيه الدعوات لإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور وشبكات الأمان الاجتماعي، يقدم هذا التقرير مرآة واقعية للفارق بين العمل المجدي والعمل الذي لا يكفي للحياة الكريمة.

الدول التي توفر العدالة الاقتصادية لا تفعل ذلك فقط عبر نسب النمو، بل عبر تمكين العامل من تجاوز خط الفقر دون أن يُنهك أسبوعياً.