أقر مجلس الوزراء السعودي، في اجتماعه الأسبوعي المنعقد يوم الثلاثاء، نظاماً جديداً يسمح بتملك غير السعوديين للعقار داخل السعودية، في خطوة تُعد من أبرز التحولات التنظيمية في قطاع العقارات السعودي خلال السنوات الأخيرة. ويأتي هذا القرار في إطار الإصلاحات الاقتصادية الواسعة التي تنفذها الحكومة ضمن رؤية 2030، والتي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل الوطني، وزيادة جاذبية السوق السعودية أمام رؤوس الأموال الأجنبية، وتعزيز تنافسية المملكة كمركز إقليمي للاستثمار.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وقال محمد السويد، الرئيس التنفيذي لشركة «رزين المالية»، في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية»، إن النظام الجديد يعكس تحولاً نوعياً في السياسة العقارية للمملكة، ويمثل تطوراً مدروساً يفتح السوق العقاري أمام غير السعوديين في إطار تنظيمي واضح.
ولا يقف النظام الجديد عند حدود منح الحق في التملك، بل يمثل مقاربة شاملة تنظم العلاقة بين المستثمر الأجنبي والسوق العقاري المحلي، مع مراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية كافة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وقد أُعلن خلال الجلسة عن اعتماد وثيقة الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية المحدثة، إلى جانب الموافقة على تنظيم المؤسسة العامة للري، في سياق يعكس تكامل التحديثات التشريعية لتشمل مختلف القطاعات المؤثرة في الاقتصاد الكلي.
فرصة للمستثمرين الأجانب
ينص النظام الجديد على السماح للمستثمر الأجنبي، المرخص له بمزاولة نشاط مهني أو اقتصادي أو حرفي داخل المملكة، بتملك
العقارات اللازمة لمزاولة نشاطه، في خطوة يُنتظر أن تسهم في تسهيل ممارسة الأعمال وتقليل التكاليف التشغيلية.
كما يسمح النظام للممثليات الأجنبية المعتمدة في المملكة بتملك المقرات الرسمية ومقرات إقامة كبار مسؤوليها، وذلك على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، لكن في المقابل، يحظر النظام على غير السعوديين، باستثناء حالات الميراث، اكتساب حقوق الملكية أو الانتفاع أو الارتفاق على العقارات الواقعة داخل حدود مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، في تأكيد على خصوصية هذه المناطق الدينية ومراعاة لمكانتها الرمزية والاجتماعية.
ووفقاً للنظام، ستتولى الهيئة العامة للعقار اقتراح النطاقات الجغرافية المسموح فيها بتملك العقار لغير السعوديين، كما ستتولى إعداد اللائحة التنفيذية للنظام خلال 180 يوماً من نشره في الجريدة الرسمية.
ومن المتوقع أن يبدأ تطبيق النظام فعلياً في يناير كانون الثاني 2026، لتكون اللائحة التنفيذية بمثابة المرجع التفصيلي الذي يحدد الإجراءات والضوابط والشروط، بما يحقق توازناً بين جذب الاستثمار وتنظيم السوق.
ويؤكد السويد أن فتح باب التملك أمام المستثمرين الدوليين سيُسهم في تعزيز ثقة رؤوس الأموال الأجنبية في السوق السعودي، مضيفاً أن النظام الجديد يختلف عن النماذج السابقة التي كانت تسمح بالتملك الأجنبي ضمن قيود صارمة وفي نطاق محدود.
وبحسب السويد، فإن «الآلية الجديدة ستمنح المستثمرين فرصة حقيقية للمشاركة في مشاريع سكنية وتجارية وسياحية ذات طابع طويل الأجل، ما سيخلق قيمة اقتصادية مضافة على مستوى الناتج المحلي الإجمالي، كما سيعزز من تدفقات رأس المال الأجنبي ويقوي النشاط في القطاع الخاص».
تابعات إيجابية على القطاع العقاري والاقتصاد
يرى السويد أن من أبرز الآثار المتوقعة لهذا النظام هو رفع جودة المشاريع العقارية، نظراً إلى دخول مطورين ومستثمرين عالميين يحملون معهم خبرات وتقنيات متقدمة ومعايير دولية في التصميم والتنفيذ.
وأشار إلى أن هذه الخطوة ستدفع بالسوق المحلي إلى مستويات أعلى من التنافسية، وستحد من الممارسات العشوائية التي طالما أثرت على القطاع العقاري في بعض مراحله.
وأوضح أن السوق العقاري السعودي، الذي يُعد من الأكبر في المنطقة من حيث القيمة والنشاط، يحتاج إلى محفزات جديدة تواكب وتيرة التحول الاقتصادي، ومع دخول أطراف استثمارية أجنبية، سيصبح السوق أكثر شفافية واحترافية، ما يصب في مصلحة المستهلك النهائي والمطور المحلي على حد سواء.
ولا يتوقف أثر النظام الجديد عند سوق العقارات فقط، بل يمتد إلى قطاعات مرتبطة به بشكل مباشر، مثل قطاع الإنشاءات، والتمويل العقاري، والخدمات الهندسية، والوساطة العقارية، والخدمات اللوجستية.
وأكد السويد في حديثه لـ«CNN الاقتصادية» أن تفعيل هذا النظام سيخلق طلباً متزايداً على خدمات تلك القطاعات، ما يعني فتح فرص عمل جديدة وزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن المملكة تنفذ في الوقت الراهن مشاريع عمرانية ضخمة في مدن مثل الرياض والدمام وجدة، فضلاً عن المشروعات الكبرى مثل «نيوم» و«ذا لاين»، ما يجعل السوق العقاري المحلي مؤهلاً للاستفادة من استثمارات أجنبية ضخمة خلال المرحلة المقبلة.
كفاءة استخدام الأراضي وتعزيز التنمية المستدامة
اختتم السويد تصريحاته بالتأكيد على أن النظام سيعزز من كفاءة استخدام الأراضي داخل المدن السعودية، من خلال تحفيز عمليات إعادة تطوير الأحياء القديمة، ودعم إنشاء مجمعات متعددة الاستخدام ومشاريع مدن ذكية، ما سيسهم في تقليل الهدر الحضري ورفع القيمة الاقتصادية للعقار.
واعتبر أن هذه السياسات تضع السوق على مسار جديد يوازن بين الانفتاح والاستدامة، ويمنح المملكة ميزة تنافسية في سوق الاستثمار العقاري إقليمياً ودولياً.
وتكون السعودية بهذا القرار قد قطعت خطوة إضافية نحو بناء سوق عقاري أكثر انفتاحاً وتنظيماً، يخدم أهداف النمو الاقتصادي، ويرسّخ موقع المملكة كمركز جذب استثماري في منطقة الشرق الأوسط.
ومع اقتراب دخول النظام حيز التنفيذ، تتجه الأنظار إلى تفاصيل اللائحة التنفيذية التي ستحدد الإطار العملي لهذه المرحلة الجديدة في مسار تطوير السوق العقاري السعودي.