الاضطرابات السياسية تمنع فرنسا من الاستفادة من الانتعاش الاستثماري في أوروبا

تخوفات من أن تُؤدِّي مفاوضات الميزانية إلى انهيار حكومي فرنسي آخر في الخريف المُقبل. شاتر ستوك
الاضطرابات السياسية تمنع فرنسا من الاستفادة من الانتعاش الاستثماري في أوروبا
تخوفات من أن تُؤدِّي مفاوضات الميزانية إلى انهيار حكومي فرنسي آخر في الخريف المُقبل. شاتر ستوك

تُفوِّت فرنسا حالة تفاؤل من المستثمرين تميّز أسواق أوروبا هذا العام، إذ تُقيِّدها أوضاعها المالية المُرهِقة والتقلبات السياسية، التي تُهدِّد بشلِّ السياسات الاقتصادية حتى عام 2027 على الأقل.

يُشير المستثمرون العالميون والمسؤولون التنفيذيون الفرنسيون إلى خطر أن تُؤدِّي مفاوضات الميزانية إلى انهيار حكومي آخر في الخريف، في حين يُضعف التشاؤم الاقتصادي إنفاق المستهلكين والنمو الاقتصادي.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

وواجه رئيس الوزراء، فرانسوا بايرو، ثمانية طلبات بسحب الثقة في البرلمان منذ توليه منصبه في ديسمبر الماضي، وتُكافح حكومته -التي لا تسيطر على أغلبية البرلمان- الآن لتخفيض 40 مليار يورو (47 مليار دولار) من نفقات ميزانية 2026.

على العكس تستعد ألمانيا المجاورة، لتخفيف القيود المالية التاريخية وضخِّ مليارات الدولارات في الاقتصاد من خلال الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

قال بيير موسكوفيتشي، وزير المالية السابق «بينما استغلت جميع الدول الأوروبية الأخرى المثقلة بالديون، اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، السنوات الماضية لخفض نسبة دينها العام، فإن فرنسا -التي يُعد عجزها الآن الأعلى في منطقة اليورو- تشهد مزيداً من العجز».

لخفض عجز الميزانية، سيتعين على بايرو إقناع أحزاب المعارضة بقبول تخفيضات في الإنفاق، حتى وإن كانت أقل من تلك المقترحة في ميزانية 2025 التي أسقطت سلفه.

المعيار ألمانيا

أدى تبني ألمانيا التاريخي لسياسة مالية أكثر مرونة، وتأثير سياسات الرئيس دونالد ترامب المتقلبة، إلى تعزيز الأسواق المالية الأوروبية والاستثمارات الأخرى هذا العام.

وكانت إيطاليا من أبرز المستفيدين من هذا الرواج، حيث انخفضت علاوة المخاطر المدفوعة على ديونها لأجل عشر سنوات، مقارنةً بألمانيا، إلى مستويات ما قبل تفاقم أزمة ديون منطقة اليورو.

وتعتبر ألمانيا الملاذ الآمن في أوروبا وصاحبة السندات المعيارية التي يتم تقييم سندات الأخرين وفق قربها أو بعدها عنها.

على العكس من إيطاليا، تدفع فرنسا علاوة مخاطر على سنداتها بقيمة 70 نقطة أساس أعلى من السندات الألمانية لأجل عشر سنوات، بينما كانت علاوة المخاطر 50 نقطة أساس فقط أعلى من ألمانيا في الصيف الماضي، قبل أن يدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى انتخابات مبكرة مفاجئة.

صرح نيكولاس فورست، كبير مسؤولي الاستثمار في كاندريام، بأنه يُفضل السندات الألمانية والإيطالية والإسبانية، وأنه يُقلل من استثماراته في فرنسا، وهو وضع وصفه بأنه «استثنائي جداً».

وقال سيمون بلونديل، الرئيس المشارك لأدوات الدخل الثابت الأوروبية الأساسية في بلاك روك، أكبر مستثمر في العالم، إنه لا يملك مراكز كبيرة في الديون الفرنسية، وإنه يُفضل السندات الإيطالية بسبب الاستقرار السياسي في روما وتراجع التقلبات.

وفي ما يخص الأسهم يتداول مؤشر كاك 40 للأسهم القيادية الفرنسية دون مستواه قبل الدعوة للانتخابات، ويتخلف عن مؤشر ستوكس 600 الأوروبي.

وارتفع المؤشر الفرنسي بنسبة 5 في المئة فقط هذا العام، أي أقل من رُبع معدل نمو مؤشر داكس الألماني.

وحتى لو نجحت الحكومة الفرنسية في تجاوز الخريف دون سحب الثقة، يتوقع المستثمرون أن تمرر الحكومة ميزانية ضعيفة مُخيبة للآمال، وبالتالي لن تزيد جاذبية الأصول الفرنسية.

وقال فوريست، من كاندريام «أي تسوية تتوصل إليها الأحزاب السياسية لن تكون مُجدية لخفض الدين وتحسين العجز».

كآبة الاقتصاد الحقيقي

لتحذير أحزاب المعارضة من رفض ميزانية بايرو، أشارت وزيرة المالية العامة، أميلي دي مونتشالين، إلى أن فرنسا قد تلجأ إلى خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي إذا لم تُسيطر على ماليتها بشكل حاسم.

وقال ألكسندر بومبارد، الرئيس التنفيذي لشركة كارفور، إن مثل هذه التصريحات المتشائمة دفعت الفرنسيين إلى زيادة ادخارهم، ما عرّض الانتعاش الهش لإنفاق المستهلكين للخطر.

وقال بومبارد في مؤتمر اقتصادي عُقد في مدينة آكس آن بروفانس، يوم الجمعة «إذا كانت مدخراتنا أعلى بخمس نقاط مئوية من الدول الأوروبية الأخرى، فذلك يعود إلى مستوى عالٍ للغاية من عدم اليقين السياسي والمالي».

ومع تردد المستهلكين في الإنفاق، يتأخر نشاط الأعمال الفرنسي عن نظرائه الأوروبيين هذا العام، على الرغم من أن القطاع الخاص أقل تأثراً بالتوترات التجارية الأميركية من ألمانيا وإيطاليا الأكثر تركيزاً على التصدير.

وقال روهان خانا، رئيس استراتيجية أسعار اليورو في باركليز «يعاني الاقتصاد معاناة حقيقية، ويمكنك أن ترى ذلك في مؤشرات مديري المشتريات شهراً بعد شهر، حيث تُنتقد فرنسا بشدة لضعفها».

ومنذ يناير كانون الثاني، خفّض خبراء اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم توقعات نمو فرنسا لعام 2026 إلى 1 في المئة، بينما رُفعت توقعات ألمانيا مرتين إلى 1.3 في المئة.

ويرى بيير أوليفييه غورينشا، كبير الاقتصاديين الفرنسيين في صندوق النقد الدولي، أن باريس لم تعد قادرة على تأجيل ترتيب أوضاعها المالية، وقال في مؤتمر آكس آن بروفانس الاقتصادي «سيتعين علينا التكيف مع أوضاعنا والتخطيط لتخفيض نفقاتنا».

(رويترز)