في قرار مفاجئ وغريب كما يراه محللون، أعلنت شركة "
Wizz Air" الأوروبية للطيران منخفض التكلفة، عن التخارج من سوق أبوظبي، بعد أعوام استفادت خلالها من أهم أسواق السفر والسياحة بمنطقة الشرق الأوسط، حيث يستخدم مطارات أبوظبي سنوياً ما يقرب من 30 مليون مسافر.
وأرجعت الشركة التي تعاني من أزمات داخلية عدة تتعلق بتشغيل أسطول طائراتها، القرار إلى «تزايد صعوبة الإبقاء على طموحاتها الأصلية بسبب القيود على سلاسل التوريد العالمية وغياب الاستقرار الجيوسياسي ومحدودية الوصول إلى الأسواق».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، جوزيف فارادي، في بيان تلقت «CNN الاقتصادية» نسخة منه: «مع أن هذا القرار كان صعباً، فإنه القرار الصحيح في ظل الظروف الراهنة»، مشيراً إلى أن الشركة تجري محادثات مع «إيرباص» لتقليص طلبيتها لشراء 47 طائرة «إيه 321 إكس إل آر» ذات المدى الطويل التي كان مقرر تشغيل معظمها في رحلات أبوظبي، وتغيير بعضها بطائرات «إيه 321» عادية.
الانسحاب قرار مفاجئ
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وصف خبير الطيران الكابتن، ليث الرشيد، إعلان انسحاب شركة «Wizz Air» بأنه «مفاجئ ويثير الكثير من علامات الاستفهام» بشأن مستقبل شركة الطيران، التي تعاني من تراجع الأداء عالمياً خلال السنوات القليلة الماضية.
وقال الرشيد، في حديث مع «CNN الاقتصادية»، إن الأسباب الرئيسية وراء هذا القرار تعود إلى الضغوط التشغيلية المتزايدة مثل ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف الصيانة، إلى جانب تقلبات الطلب في مرحلة ما بعد جائحة «كوفيد-19».
وأشار إلى أن «Wizz Air» تُعد من أسرع شركات الطيران نمواً في شرق أوروبا، وكانت قد دخلت سوق أبوظبي في عام 2020، كناقل شديد انخفاض التكلفة (Ultra low-cost)، وذلك بالاعتماد على النموذج ذاته الذي تطبقه في شرق أوروبا، وهو ما لا يتناسب مع السوق والتركيبة السكانية والاقتصادية بمنطقة الخليج العربي.
وأكد الرشيد أن الانسحاب ليس ظرفياً ولا يتعلق بسوق الإمارات تحديداً، قائلاً: «هناك مؤشرات على تراجع أداء الشركة عالمياً منذ عامين، حيث انخفضت أرباحها التشغيلية بنسبة 30% عن مستويات ما قبل الجائحة، وسجلت خسائر صافية بلغت 105 ملايين يورو في الربع الأول من هذا العام، كما أخفقت في تحقيق مستهدفات عدة».
وأضاف: «مطارات أبوظبي تعد من أفضل المطارات في المنطقة وتحظى بسمعة عالمية وتخدم نحو 30 مليون مسافر سنوياً، وبالتالي فإن الخسارة تقع على عاتق Wizz Air نفسها، لأنها حاولت نسخ نموذج عملها في شرق أوروبا وتطبيقه في سوق مختلف تماماً».
وانتقد الرشيد غياب الرؤية الاستراتيجية لدى الشركة، حتى في طريقة انسحابها، مؤكداً أن سوق الخليج يتمتع بطلب على السفر الاقتصادي، لكنه لا يقبل نموذج الطيران فائق الانخفاض بالتكلفة (Ultra low-cost) بالشكل ذاته الموجود في أوروبا.
وأشار إلى أن Wizz Air تواجه منافسة شديدة من عدة ناقلات اقتصادية في المنطقة، وخسرت بهذا الانسحاب موطئ قدم في سوق متنامٍ، متسائلاً: «إذا لم تنجح الشركة في الخليج فأين يمكن لها أن تنجح تجربتها؟».
وتوقع الرشيد أن تقبل الشركة على الانسحاب من أسواق أخرى في المستقبل بسبب الأزمات الداخلية، مثل نقص الكوادر المؤهلة وتقلب الإيرادات وضعف استقطاب الطيارين الأكفاء نتيجة انخفاض الأجور، مشيراً إلى أن اعتماد الشركة على تمويل قصير الأجل وطائرات مستأجرة يجعلها أكثر عرضة للتقلبات السوقية.
وأوضح الرشيد أن استمرار «Wizz Air» في نسخ نموذجها من دون تعديل سيفرض عليها تقليص عملياتها بشكل متزايد، مرجحاً أن تواجه خيارات صعبة مثل الإفلاس، أو الاستحواذ عليها من قبل مستثمرين، أو الاندماج مع شركة أخرى أوروبية.
وختم بالتأكيد أن انسحاب الشركة لا يعكس ضعفاً في سوق أبوظبي، بل سوء تقدير من جانب الشركة لطبيعة السوق المحلية ومتطلباتها، قائلا: «النموذج الذي اختارته الشركة غير ملائم، لأنها لم تدرس السوق بعناية».
القرار يرتبط بأزمات داخلية
ويبدو أن القرار لا يرتبط بسوق أبوظبي في حد ذاته، أكثر من ارتباطه بالأزمات التي تعاني منها شركة الطيران، التي تعطل ثلث أسطولها من الطائرات تقريباً خلال الأشهر الماضية بسبب مشكلات في المحركات، ويتوقع استمرار هذا الأمر حتى نهاية النصف الأول من عام 2026.
ونقلت «Wizz Air» عبر
مطارات أبوظبي نحو 3.5 مليون مسافر في العام الماضي، من أصل 29.4 مليون مسافر عبر مطارات أبوظبي بزيادة قدرها 28% مقارنة بالعام السابق عليه، حيث استفادت خلال العامين الماضيين من قطاع الطيران القوي في دولة الإمارات العربية المتحدة الذي يمثل 18% من الناتج المحلي الإجمالي، وبه ما يقرب من مليون وظيفة.
وبحسب القوائم المالية لـ«Wizz Air» في السنة المالية المنتهية بمارس 2025، تم إيقاف 44 طائرة -أي ما يعادل نحو 20% من أسطول الشركة- بسبب مشكلات في محرك «GTF»، حيث يتوقع أن يستمر توقف 34 طائرة منها حتى حلول النصف الأول من عام 2026.
وأظهرت القوائم المالية التي اطلعت عليها «CNN الاقتصادية» تراجع في نتائج أعمال «Wizz Air»، إذ هوت أرباحها التشغيلية من جميع عملياتها بمختلف أسواق العالم بنسبة 62% خلال العام المالي الماضي، لتصل 167.5 مليون يورو، كما تراجعت أرباحها بـ41.5%، وارتفعت تكاليف الاقتراض لديها بنسبة 52.7%.
وفي يونيو الماضي، أعلنت وكالة «موديز» للتصنيفات الائتمانية تخفيض التصنيف الائتماني طويل الأجل لشركة «Wizz Air» إلى «Ba2» مع نظرة مستقبلية سلبية، بسبب ارتفاع عدد الطائرات المتوقفة عن العمل، ما أدى إلى ارتفاع التكاليف بما يتجاوز مستويات الإيرادات المتوقعة.
وقالت موديز في بيان لها، اطلعت عليه «CNN الاقتصادية»، إن الأداء المالي لشركة «Wizz Air» في سنتها المالية الماضية، كان أضعف من المتوقع وظلت مقاييسها المالية خارج فئة تصنيف «Ba1»، مشيرة إلى أن مقاييس الائتمان قد تظل ضعيفة خلال الـ12-18 شهراً المقبلة، ما يعني خفضاً جديداً للتصنيف الائتماني.
منافسون جُدد
ويأتي قرار «Wizz Air»، مع توسعة العربية للطيران أعمالها في أبوظبي -وهي أول شركة طيران اقتصادي تتخذ من مطار أبوظبي مقراً لها- وذلك عبر إطلاق 3 رحلات أسبوعاً تربط مطار زايد الدولي بمطار سيالكوت الدولي في باكستان.
وقالت «العربية للطيران»، في بيان سابق، لها إن المسار الجديد سيبدأ العمل به الخميس 17 يوليو الجاري، «ما يوفر للمسافرين سفراً مباشراً وبأسعار معقولة بين أبوظبي وسيالكوت».
وتعد مطارات أبوظبي واحدة من أكثر المحاور أماناً واستقراراً في جميع أنحاء العالم، نظراً لقربها من الأسواق عالية النمو في جنوب آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى محافظتها على ارتفاع مُعامل الحمولة وجاذبية العائدات، وهي ظروف تستفيد منها شركات الطيران.
وتُظهر بيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) أن شركات الطيران في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا تزال تتفوق على نظيراتها في أوروبا وأميركا الشمالية.