توصلت دراسة جديدة إلى أن موجات الحرارة القاتلة التي يتسبب بها تغير المناخ تهدد تنمية الهند وتهدد بعرقلة مسار تقدمها نحو التخفيف من حدة الفقر والاهتمام بالصحة والنمو الاقتصادي.
قال باحثون من جامعة كامبريدج في الدراسة التي نشرت في مجلة «بي.إل.أو.إس للمناخ» إن موجات الحر أثرت بالفعل بشكل خطير على البلاد، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وزيادة تلوث الهواء والغبار وتسارع ذوبان الجليد في شمال الهند.
وقالت الدراسة إن أكثر من 24 ألف شخص لقوا حتفهم منذ عام 1992 بسبب موجات الحر في الهند.
ومن المتوقع أن تزداد التأثيرات سوءاً مع زيادة تواتر موجات الحرارة وشدتها وفتكها بسبب أزمة المناخ.
وقال الباحثون «تواجه الهند حالياً تصادم المخاطر المناخية التراكمية المتعددة».
و«تشير التوقعات طويلة المدى إلى أن موجات الحرارة الهندية يمكن أن تتجاوز حد البقاء على قيد الحياة لإنسان سليم يستريح في الظل بحلول عام 2050».
تُظهر الدراسة أن ملايين الأشخاص في الهند أكثر عرضة لتغير المناخ مما كان يعتقد في البداية.
ووجدت الدراسة أن أكثر من 90 في المئة من البلاد يمكن أن تتأثر بشدة بموجات الحرارة، حيث تقع في منطقة «خطر» شديد الحرارة، وفقاً لمؤشر الحرارة.
ومؤشر الحرارة هو مدى الشعور بالحرارة، ويأخذ في الاعتبار درجة حرارة الهواء والرطوبة لتقييم تأثير الحرارة على السكان.
ففي العام الماضي شهدت الهند موجة حرارة شديدة، وصلت خلالها أجزاء من البلاد إلى أكثر من 49 درجة مئوية (120 درجة فهرنهايت)، إذ قالت الدراسة إن الهند شهدت في عام 2022 أعلى معدلات الحرارة خلال شهر أبريل نيسان منذ 122 عاماً، وكان هذا الشهر أشدها حرارة على الإطلاق.
ووجد الباحثون أنها شهدت طقساً قاسياً في 242 من أصل 273 يوماً بين يناير كانون الثاني وأكتوبر تشرين الأول 2022.
مثل هذا الضغط الحراري المتكرر سيقلب حياة الملايين وسبل عيشهم، ووجدت الدراسة أن «التقديرات تُظهر انخفاضاً بنسبة 15 في المئة في قدرة العمل في الهواء الطلق خلال ساعات النهار بسبب الحرارة الشديدة بحلول عام 2050».
ومن المتوقع أن تكلف الحرارة المتزايدة الهند 2.8 في المئة و8.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض مستويات المعيشة بحلول عامي 2050 و2100 على التوالي.
ووفقاً للدراسة فمن المتوقع أن يبلغ عدد سكان 70 مدينة هندية أكثر من مليون نسمة بحلول منتصف القرن.
وجد الباحثون أن الحرارة الشديدة ستشكل تهديداً لأمن الطاقة وصحة هؤلاء الأشخاص، وستعيق التقدم في قضايا المساواة والحد من الفقر.
وقال مؤلف الدراسة الدكتور راميت ديبناث «تعاني عائلتي في كولكاتا من موجات الحرارة الحالية التي تؤدي إلى انهيار الأحمال بشكل متكرر»، في إشارة إلى انقطاع التيار الكهربائي القسري، وأضاف «أصبحت العلاقة بين المناخ والطاقة أكثر أهمية».
وعادة ما يكون الفقراء والأكثر ضعفاً هم من سيعانون أكثر من غيرهم، إذ أشارت الدراسة إلى أن موجات الحر «ستكون لها عواقب غير مسبوقة على السكان ذوي الدخل المنخفض».
على سبيل المثال، يشير المؤلفون إلى العاصمة نيودلهي سريعة التحضر، والتي «تتمتع بمستوى عالٍ من أنشطة البناء، والتي تشمل في الغالب قوة عاملة منخفضة الدخل، والذين هم أيضاً في خطر شديد من تأثيرات موجة الحرارة».
في حين أن الهند لديها «مؤشر التأثر المناخي» الذي من خلاله تقيّم مدى تأثرها بأزمة المناخ، يعتقد المؤلفون أن هذا المؤشر يقلل من شأن خطورة تأثير موجات الحرارة على التنمية في البلاد.
التزمت الهند بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وهي قائمة من 17 هدفاً تشمل الحد من الفقر والجوع وعدم المساواة والمرض، فضلاً عن تعزيز الصحة والتعليم والصرف الصحي، ولكن مع عدم استيعاب التهديد الحقيقي لموجات الحر على سكانها، تخاطر الهند بفقدان تلك الأهداف.
وقالت البروفيسورة رونيتا باردهان، الباحثة المشاركة في تلك الدراسة، إن التوصيات الناتجة عن الدراسة يمكن استخدامها لبناء مساكن مقاومة للحرارة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض، لأن «هذه المجتمعات هي الأكثر عرضة لتأثيرات الحرارة».
وأضاف معدو الدراسة «لقد أظهرت الهند قيادة هائلة في توسيع نطاق خطط العمل المتعلقة بالحرارة في السنوات الخمس الماضية، من خلال إعلان موجات الحر كارثة طبيعية وتعبئة موارد الإغاثة المناسبة»، لكن «نظراً لأن موجات الحرارة في الهند وشبه القارة الهندية أصبحت متكررة وطويلة الأمد، فقد حان الوقت لخبراء المناخ وصانعي السياسات بإعادة تقييم المقاييس المستخدمة لتقييم قابلية التأثر بالمناخ في البلاد».